الخوف والعصبية والتشاؤم بسبب أخطأ التربية في البيت

0 554

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

الإخوة الأعزاء القائمون على الموقع، بارك الله فيكم وجزاكم الله خير الجزاء.

لا أدري كيف أبدأ مشكلتي فهي معقدة وقديمة، وتتداخل بها أطراف كثيرة، أنا حاليا أدرس الماجستير بالإدارة في بريطانيا، وأنا أصلا مهندس، متزوج ولدي أطفال، إليكم حالتي بمراحلها:

الطفولة:
عندما كنت بالمرحلة الابتدائية والمتوسطة كنت من الأوائل متفوقا، ماهرا في أغلب الألعاب الرياضية، أما على مستوى العائلة فمنذ صغري كنت أحس أنني أذل من قبل أبي وأشتم، فقد كان شديد الغضب، وكنت على يقين أنني دائما مظلوم، يحب أخواتي أكثر مني، قد يكون بسبب شكلي، لا يضربني كثيرا مع أنني أفضل الضرب بدل الشتم والإهانة، خاصة أمام الآخرين، لا أدري هل كان على حق وأنني أستحق ذلك العقاب؟

أصبحت أخاف، وغير واثق، ولا أختلط مع الكثير، وأحس أن أي اختلاف مع الآخر يؤدي إلى الضرب، ألوم نفسي كثيرا وأتذكر أخطائي وأندم عليها إلى درجة أنني أضرب نفسي لخطئي.

من الأشياء الغريبة التي كانت معي النسيان والتوهان فلا أعرف بالضبط ما يدور حولي، وقد كان مؤقتا لساعات، أكره الألعاب التي تدور بالملاهي فكلما ركبت بها ودارت أحس أنني سوف أفقد عقلي فأصرخ حتى تتوقف، في العطل الصيفية لا أستطيع أن أنام إلا بعد عناء دائم التفكير حتى الصباح.

وعندما أذهب إلى بيت عمي وأختلط مع أبناء عمي أحس بأنني سعيد جدا جدا وأحس أنني بعالم آخر، أريد أن أعيشه بالطول والعرض ولا أريد أن أنام حتى لا أفقده، فلا أنام حتى أرهق نفسي، عالم كله مرح وسعادة.

المراهقة:
كنت لا أدري لم يضحك الناس، دائما عابس الوجه وغاضب، لا أعرف أسلوب التعارف على الناس، وكيف أختلط بهم، ولا أدري كيف أصبح محبوبا! صدمت كثيرا جدا بنتيجة الثانوية العامة، بدأت لدي حالة التفكير الكثير والسرحان، والعالم أصبح رماديا بلا ألوان ولا طعم ولا معنى، وتتفاقم تلك المشكلة وتتعاظم بغزو صدام للكويت، خرجنا مرغمين من بلدي إلى الإمارات.

ودرست الهندسة المدنية، وتفوقت ولكن على حساب نفسي، فقد كنت ألاحظ أنني أدرس بلا توقف ولا أستوعب الكثير إلا بعد تعب إذ أنني أسرح كثيرا ولا أركز، وحتى إذا ركزت أفقده بعد لحظات وأتوه بالمحاضرات، زملائي يقولون لي لو نقضي ما تقضي من وقت بالمذاكرة لأصبحنا عباقرة.

ما بعد المراهقة حتى الآن:
أدوخ وأتعب بسرعة، لا أستمتع بالنوم بالليل فعدد ساعات النوم عندي قليلة ومتقطعة، عجل وسريع، عصبي وأهيج على أتفه الأسباب، ومتشائم والعياذ بالله، أعيش بالأفكار التي تدور برأسي كأفلام هوليوود، فلا أرى العالم من حولي ولا أعيشه ولا أحس به كالآخرين، عند الذهاب إلى الأسواق تأتيني حالة غريبة أضيق بها وأرتاح عندما أخرج من السوق، أكتافي دائما مشدودة، وكذلك رقبتي من الخلف أي تيبس بالرقبة، أحس بسخونة وتيبس بقمة الرأس وألم بجهة الرأس من الخلف فوق الرقبة، ألم خفيف مزعج بالأذن، ولا أحتمل الضوضاء كما كنت من قبل، أحس بغصة بالحلق، لا أشتهي أي طعام وأحس أنني لا أهضمه بسرعة كالآخرين، والغريب أنني لا أعرف التجشؤ كزملائي بعد الأكل! وأتعب بسرعة، إذا اختلطت مع زملائي يتقطع نفسي، وتتجمد أطرافي، ويحمر وينتفخ ويسخن وجهي، وأتلعثم بالكلام كل هذا مع صداع شديد بالصدغ.

أصبحت أخاف ولكن لا أدري ممن أخاف، أريد أن أهدأ وأتكلم كالآخرين، أريد أن أتفاءل وأرى العالم كما كنت أراه في بيت عمي، أريد أن أكون سعيدا وأتخلص من الخوف والعصبية والتشاؤم بإذن الله، أريد أن أتغير فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

ملاحظة: ساعات أحس بالسعادة وأعيش نفسي، فما زلت متأكدا بأنني أستطيع أن أنعم بالحياة بإذن الله.
وبالختام بارك الله لي ولكم وأسأل الله أن يشفي جميع مرضى المسلمين وهو على ذلك قدير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/أحمد .. حفظه الله‎ .‎
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:

جزاك الله خيرا أخي على هذه الرسالة المرتبة والمنظمة، والتي ذكرت فيها الصعوبات التي واجهتك في ‏المراحل العمرية المختلفة‎‎.
المناهج التربوية تختلف من منزل إلى منزل، والكثير من الآباء ينظر إلى أبنائه أنهم ليسوا بشريحة واحدة، ‏ولذا قد يقصر على البعض أو ينتهج منهجا تربويا مخالفا أو لينا مع آخر، فأرجو أن تفهم ذلك في هذا ‏الإطار وليس أكثر من ذلك، فالآباء قد جبلوا على محبة أبنائهم، ولا أعتقد أنه كان يريد بك شرا أبدا.

‏والشيء الآخر والذي أود أن أؤكده لك أن الطب النفسي الحديث لا يعترف كثيرا بالرواسب الأولية في ‏الحياة كما كان يعتقد سابقا، أو كما روجت لذلك المدرسة التحليلية، فكم رأينا وشاهدنا من عاشوا ‏حياة فضة وقاسية في طفولتهم ومراهقتهم، ثم أصبحوا بفضل الله من الناجحين المتفوقين، وذوي الشخصية ‏القوية والفعالة، والعكس تماما شاهدنا غير ذلك .‎

الأعراض التي ذكرت وهي الأعراض التي تعاني منها، والتي بدأت في فترة ما بعد المراهقة هي حقيقة تأتي ‏تحت تشخيص حالة تعرف باسم الاكتئاب القلقي التوقعي‎.‎

كل الأعراض التي ذكرتها وبدقة صائبة وجيدة تعكس هذه الحالة، والحمد لله بالرغم من معاناتك لهذه ‏الحالة النفسية إلا أنك استطعت أن تشق طريقك، وأنت الآن تحضر في درجة الماجستير في بريطانيا‏‎ .‎

هذا الإنجاز العظيم والكبير في حد ذاته يجب أن يكون دافعا نفسيا لك للمثابرة والاستمرارية وتوجيه ‏الإرادة، فهذا في حد ذاته يحسن من الصحة النفسية‎.‎

لا شك أنك في حاجة إلى علاج دوائي؛ حيث يعتقد الآن أن الكثير من هذه الحالات خاصة القلق ‏والتوتر والاكتئاب والوساوس هي في حقيقة الأمر ناتجة عن بعض الاستعدادات البيولوجية أو الكيميائية، ‏وهذه الاستعدادات تحدث في شكل تغيرات في بعض الناقلات أو الموصلات أو المرسلات العصبية، خاصة ‏المادة التي تعرف باسم (نورأدرينالين - noradrenaline)، والمادة التي تعرف باسم (سيروتونين Serotonin).

إذا هنالك أسس علمية صحيحة ‏لتناول الأدوية، والدواء الذي سيكون مفيدا جدا لك يا أخي يعرف باسم (سيبراليكس Cipralex)، وهو والحمد لله ‏موجود في بريطانيا والكويت، والجرعة التي تبدأ بها هي 10 مليجرام ليلا، وتستمر عليها لمدة أسبوعين، ‏ثم ترفع الجرعة إلى 20 مليجرام ليلا أيضا وتستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك يمكنك أن تخفض ‏الجرعة إلى 10 مليجرام وتستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر‎ .‎

هنالك دواء مصاحب للسبراليكس يعرف باسم (فلونكسول Fluanxol)، أرجو أن تأخذه بمعدل حبة واحدة من فئة ‏نصف مليجرام في الصباح، وتأخذه لمدة ثلاثة أشهر‎ .‎
هذا الدواء جيد في علاج القلق وهو استرخائي، ولكنه لا يسبب أي نوع من النعاس أو التكاسل، وإن ‏شاء الله بمساعدة هذه الأدوية سوف تختفي الأعراض النفسية وكذلك الأعراض الجسدية التي ذكرتها.‏

سيكون أيضا من المفيد لك أن تداوم على ممارسة الرياضة، فالدارسات الحديثة تدل على أن الرياضة ‏تساعد على إفراز الأفيونات opioids الداخلية للإنسان، مما يحسن من مزاجه وصحته النفسية ويقلل من القلق ‏والتوتر، ويمتص كل طاقات الغضب التي تضر بصحة الإنسان النفسية‎.‎

أرى أنك إن شاء الله على خير، وباتباع الإرشادات النفسية وتناول الأدوية ستعيش إن شاء الله حياة آمنة ‏ومطمئنة، ونسأل الله لك التوفيق والسداد‎.‎

مواد ذات صلة

الاستشارات