السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة في بداية الثلاثين، سبق لي الزواج من قبل عندما كان عمري 18 سنة، ولم أكمل 3 أشهر وتطلقت، ورزقني الله بعد 4 سنوات زوجا آخر، أمضيت معه 6 سنوات، وخوفا من الطلاق مجددا صبرت على زوجي، وتحملت قساوته، ولم يرتفع صوتي عليه يوما، ولم أرفض له أي طلب حتى بعد إهاناته لي، وأيضا عدم اهتمامه بموضوع الحمل، فقد كان يخبرني أن سيفعلها عندما ينتهي من بناء بيت أهله، وقد صدقته، وفجأة من دون سبب أخبرني أنه لا يريد أطفالا مني، ولا يريد الزواج فقد اشتاق للعزوبية، حاولت معه، وأخبرته أنه ظلم لي، ولم يرض، وبسهولة أرسلني لأهلي، وقال إذا سألك الناس، قولي أنني عقيم.
أنا لا أعلم ماذا أفعل؟ عمري 30 عاما، لا أطفال ولا وظيفة، ووضع أهلي المالي ضعيف، وليس لي مؤخر، ولا أريد أن أكون عبئا عليهم، أعلم أن بعد الصبر يأتي الفرج، لكن لما كان هذا جزائي؟ أرشدوني، قلبي محطم، أحس أني عبء، أكره رؤية أبي وأمي حزينين على وضعي.
شكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمه حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب. نسأل الله بأسمائه وصفاته أن يفرج كربك، ويزيل همك، ويقضي حاجاتك.
ونحن ندرك – أيتها البنت العزيزة – مدى ما تشعرين به وتعيشينه من ضيق وهم، ولكن يزيل عنك ذلك الهم ويبعد عنك ذلك الضيق أمور إذا فعلتها زالت عنك همومك بإذن الله.
أول هذه الأمور – أيتها البنت العزيزة -: أن تتأملي وتتفكري في الجوانب الإيجابية في حياتك ونعم الله تعالى الكثيرة التي تعيشينها، فأنت في عافية وسلامة من الأمراض والأسقام، وغيرك بالآلاف ومئات الآلاف يعيشون أنواعا من الآلام والأوجاع. أنت آمنة وغيرك خائف، أنت سليمة معافاة وإن كنت عديمة الزوج والولد، لكن غيرك أسيرة، أو مسجونة، تعذب مساء صباح، إلى غير ذلك من المقارنات الكثيرة التي بها تدركين عظيم نعمة الله عليك التي تعيشينها.
فإذا تذكرت هذا كان دافعا لك إلى الشعور باللذة والفرح بهذه النعم التي تتقلبين فيها.
الأمر الثاني – أيتها البنت الكريمة – مما يجلب لك نوع السعادة والفرح: أن تتذكري بأن هذه الحياة مرحلة قصيرة، لا تساوي شيئا بالنسبة إلى الحياة التي تكون بعدها، فالحياة الحقيقية تبدأ بالموت، وتلك الحياة هي الحياة السعيدة، أو الشقاوة الحقيقية، كما قال الله في كتابه الكريم: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون}.
فإذا تذكرت هذا وكنت مع الله تعالى مستقيمة الحال واقفة عند حدود الله، مطيعة لله تعالى؛ فأبشري بالخير الكثير بالحياة الطويلة الدائمة والنعيم المقيم، وحينها يسهل عليك تحمل الصعاب والمشاق التي تتعرضين لها في هذه الحياة. فهذه الحياة التي نحن فيها دار للابتلاء وللامتحان، ليست دار الهناء والسعادة، وإن كان يحصل هذا لبعض الناس، ولكن الأصل فيها أنها دار للكد وللتعب وتحمل المشاق والآلام، ليجزي الله تعالى كل إنسان بعد ذلك بقدر ما تعرض له في هذه الدنيا، فإن الله تعالى حكم عدل، وكلنا عباده وخلقه، فإذا حرم بعض عباده الذين كانوا مطيعين له محبين له؛ فحرمهم بعض ملذات هذه الحياة ببعض أسباب السعادة فيها والراحة؛ فإنه سبحانه وتعالى بحكمه وعدله يعوضهم في الدار الآخرة أضعاف أضعاف ما فاتهم، بحيث يتمنى أهل العافية وأهل السرور والسعادة في هذه الدنيا؛ عندما يرون الثواب الذي يناله الصابرون، يتمنون أنهم لو كانوا مثلهم.
فإذا لا تيأسي، ولا تحزني كثيرا على ما فاتك، واعلمي أن الله تعالى رحيم، وهو أرحم بك من نفسك، وأرحم بك من أمك وأبيك، وهو مع هذا بر لطيف، يوصل الخير إلى العبد من حيث لا يشعر هذا الإنسان، فقد يقدر عليك أنواع من المضايق والهموم يكفر بها سيئاتك، ويرفع بها درجاتك، وهو سبحانه وتعالى أعلم بما يصلحك.
فحسني ظنك بالله، وقوي علاقتك بالله بكثرة الذكر والاستغفار والتوبة، والدعاء، وتوجهي إلى الله تعالى على الدوام، وأكثري من دعائه، سيجعل لك فرجا ومخرجا.
ومما يعينك – أيتها البنت الكريمة – على طرد هذا الهم: عدم اليأس من تغير الحال في المستقبل، فإن الله تعالى إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون، والشاعر يقول: "عسى الهم الذي أمسيت فيه ... يكون ورائه فرج قريب"، والله تعالى يقول في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء)، فلا تظني أبدا أن هذا هو نهاية التاريخ، وأن الوضع الذي أنت فيه محال أن يتغير أو يتبدل.
أحسني ظنك بالله، وخذي بالأسباب الممكنة شرعا من التعرف على النساء الصالحات الطيبات، وأكثري من مجالستهن وإقامة العلاقات معهن، فإنهن خير من يعينك في البحث عن الزوج المناسب الصالح، فإذا قدر الله تعالى لك ذلك فالحمد لله، وإذا لم يقدره فتزودي بزاد الصبر، وأكثري منه، فإنه طريق الفلاح والنجاح والفوز في الدنيا والآخرة.
نسأل الله تعالى أن يكتب لك الخير ويقدر لك الخير حيث كان.