سبب قلة التوفيق رغم الابتعاد عن المعاصي.

0 36

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخواني الكرام أسعد الله أوقاتكم بكل خير.
يقول ابن القيم: (قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، وضنك المعيشة، وطول الهم والغم كلها من نتائج المعاصي).

والله إني لأجد في نفسي بعض ما ذكر الإمام -رحمه الله- من قلة توفيق رغم بذلي لكل الأسباب، ووصول الأمور إلى نهايتها ثم أجدها تنصرف عني، وأجد الوصب والتعب أضعاف ما يجده غيري في تحصيل الرزق، وأجد قلة البركة في حياتي، فتمضي السنون والسنون دون أن أنجز إلا القليل على المستوى الديني والدنيوي، وأجد نفرة الخلق دون مبرر، وقلة استجابة الدعاء رغم إلحاحي على الله.

رغم أنني لا أعلم من نفسه دوما على معصية ظاهرة إنما شأني شأن المسلم يخطئ فيتوب ويستغفر في معظم الأوقات، ومن فضل الله مداوم على صلاتي في المسجد -ولله الحمد-، وأقوم من الليل، وأقرأ من القرآن، وأشغلتني نفسي عن غيري ولكني أخشى أنني واقع في أمر يغضب الله دون علمي به، فكيف السبيل إلى معرفة هذا الذنب؟ وما هو توجيهكم نفع الله بكم؟

وجزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ابو سامي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- في استشارات إسلام ويب.
أولا: أصبت – أيها الحبيب – كل الإصابة حين رجعت إلى نفسك وتفقد ما فيها من العيب، واتهامها بأنها على المعاصي والذنوب، حين رأيت من حالك ما رأيت من عدم حصول ما تتمناه، وهذا حال الإنسان المسلم البصير، فإنه يعلم أنه محل للخطأ والذنب، فهو الأصل الذي خلق الله تعالى عليها هذا الإنسان، كما قال سبحانه: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا}.

فالإنسان ظالم جاهل بطبعه، فيحتاج إلى العلم ليزيل به الجهل، ويحتاج إلى العدل ليزيل به الظلم، و(كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) كما أخبر الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وجميل جدا أن يكون الإنسان المؤمن دائما على حذر، متهما نفسه بالوقوع في الذنوب والمعاصي، وهذا هو الحال في حقيقته، وشعوره هذا يدعوه إلى التفتيش والتنقيب ومحاسبة النفس في ساعات الليل والنهار، والنظر في صحيفة أعماله، لعله يجد ذنبا وقع فيه فيستغفر ويتوب.

وهذا النظر في صحيفة الأعمال مما أمرنا الله تعالى به، فقد قال: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد}، فهذا النظر مطلوب من المسلم، مطلوب أن يحاسب نفسه، وينبغي أن يكون الحساب يوميا على الأقل، في اليوم مرة، فينظر الإنسان المسلم في صحيفة عمله خلال هذا اليوم، فيستغفر مما كان فيه من جناية وذنب، ويحمد الله تعالى على ما كان فيه من توفيق لعمل صالح.

وبهذا يتبين للمسلم مواطن الخلل التي قد تكون حصلت له والزلات التي يمكن أن يكون قد وقع فيها، فالمحاسبة باب عظيم ينبغي للمسلم أن يدخله.

وإذا خفي على الإنسان بعض ذنوبه فإن الرسول صلى الله عليه وسلم علمنا توبة عامة في أحاديث كثيرة، علمنا أن نستغفر مما نعلم ومما لا نعلم، فقد علم أبا بكر رضي الله عنه الدعاء العظيم الذي يقوله في الصباح والمساء: (اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)، وعلمنا أيضا من الدعوات العظيمة: (وأستغفرك لما لا أعلم)، فينبغي للإنسان المسلم أن يتوب إلى الله توبة عامة، بهذه الصياغة، (اللهم إني أتوب إليك من كل ذنب علمته أو جهلته، في قديم أو حديث، ظاهر أو باطن)، فهذا النوع من التوبة وهذا النوع من الاستغفار يأتي على جميع الذنوب بإذن الله تعالى، وإذا علم الله تعالى من عبده الصدق في الإنابة والتوبة فإنه لن يخيبه، فقد قال الله في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء).

ثم بعد هذا – أيها الحبيب – إذا وجد الإنسان المسلم في حاله شيئا من الحرمان من بعض ما يتمناه؛ فليس من الضرورة أن يكون ذلك سخط من الله تعالى عليه، إذا كان شيئا من أمور الدنيا، فإن الله تعالى يدبر أمر هذا العبد بما يصلحه، وهو سبحانه وتعالى أعلم بمصالح هذا العبد وأرحم به من نفسه، وقد قال لنا في كتابه الكريم: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.

فينبغي للمسلم من يرضى بما يقدره الله تعالى ويحسن الظن بربه، ويعلم بأن الله عز وجل يقدر له ما فيه الخير، وإن لم يبدو له وجه هذا الخير عاجلا.

فنسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويتوب علينا وعليك، ويفتح علينا وعليك خيرات الدنيا والآخرة.

مواد ذات صلة

الاستشارات