السؤال
السلام عليكم
أبي بعمر 69 عاما، أنا أكبر أبنائه الستة، وبرغم كبر عمره فهو كثير الهفوات والزلات، وخبرته في الحياة منعدمة، نعيش مع أمي بسببه في كدر وهم وغم دائم، وفقد بيتنا السعادة والأمان منذ سنين.
علمنا أنه على علاقة بفتاة غير محترمة من دولة عربية، ترسل له صورها بأوضاع مخلة، وبينهم محادثات أخجل من وصف محتوها، وتصغره بعشرات السنين، وبينهم وعد بالزواج، ويستمر بإرسال المبالغ لها بالآلاف ولأهلها، ولو تأخر عنها تسبه بأفظع الألفاظ، ولا يأبه.
حين مررنا بضائقة مالية شديدة لم يتعظ بل استمر بالتواصل معها، وفي المقابل يعامل أمي بأسوأ معاملة، ويظلمها، وإهانته لها لا تتوقف بسبب أهلها والضجر من مرضها، وينكر كل ما قدمته له في سنين الشقاء، وأمي والله إنسانة صالحة صابرة وأصيلة، تعرف ربها حق المعرفة، ولا تقصر رغم كل ما تلقاه منه.
يؤذيني بشدة ما تلقاه أمي منه، وعلاقته معي وإخوتي منعدمة، وأصبح شديد البخل علينا، ولا يفكر في مستقبلنا أبدا، ليس لنا مصدر دخل سوى شقتين، كان المفترض أنهما لإخوتي الذكور فقام ببيعهما.
لا يفكر سوى بالسفر لبلد تلك الفتاة، وقد اعتمر أبي وحج أكثر من مرة، ولا يفوت صلاة الفجر حاضرا، وقراءة القرآن، ولكنه لا خير له في أهل بيته.
أبي لا يعني لي شيء سوى أنه أكبر كابوس، وخوف في حياتي، لا أتوقف عن التفكير في المستقبل، أخاف أن يصيبنا مكروه لا ذنب لنا فيه من أفعاله، أكرهه بشدة، وأدعو في كل وقت أن يكف الله أذاه عنا وعن أمي التي ذبلت وأضاعت شبابها معه، وأطلب منكم النصيحة والدعاء بالفرج.
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -بنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يقر أعيننا جميعا بصلاح الوالد وبعودته إلى الطريق الذي يرضي الله تبارك وتعالى، وننصحكم بالدعاء له لا الدعاء عليه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمنا جميعا السداد والرشاد.
نحن سعداء بهذه الاستشارة التي تدل على رغبة في الخير، وأرجو أن يتوسع هذا الخير لتجعلوا همكم الدعاء للوالد بالهداية، ونذكركم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم)، فكيف إذا كان الرجل هو الوالد الذي لا يمكن أن ننسى فضله، وسيظل والدا مهما كان عنده من تقصير، فتقصيره على نفسه، لكن الواجب علينا {وصاحبهما في الدنيا معروفا}.
احرصوا على رعاية هذا الجانب والدعاء للوالد، وتشجيع الوالدة التي (أيضا) نوجه لها الشكر، ونسأل الله أن يعينها على إكمال هذا المشوار، وأيضا ينبغي أن تقترب من الوالد، لأن بعض الأخوات إذا بلغت عمرا أو كبر الرجل تتنازل عنه وتبتعد عنه، وتحرمه ربما من الحقوق الشرعية، وهذا لن يعينه على التوبة من تلك المخالفات الكبرى التي يقع فيها.
أرجو أن تعاونوا الوالدة على أن تكون إلى جوار الوالد، وتوفروا لهما جوا من الخصوصية، مهما كان كبر السن، فإنهم يظلون بحاجة إلى أن تكون لهم حياة فيها الخصوصية.
نحن قطعا لا نؤيد أبدا ما يفعله الوالد، لأنه في البداية هو معصية لله تبارك وتعالى لا يمكن أن تقبل، وأرجو أن تجتهدوا وبحكمة في أن تفوزوا بقدر كبير من الأموال حتى تستفيدوا منها وتضعوها في موضعها الصحيح، مثل هذه الأحوال وجود الأموال عندها يزيد الأمر سوءا.
ولذلك أرجو أن تتعاوني مع إخوانك ومع الوالدة وبحكمة في أن تطلبوا الأشياء الأساسية، وتختاروا الأوقات المناسبة، وأيضا اقتربوا منه، وانصحوا له، فإن ما يحصل من الوالد لا يبيح لكم العقوق مهما حصل من جرم ومن مخالفات منه، هذه عليه، لكن لا تبيح لكم أنتم أن تخالفوا، ولا تبيح لكم أن تكونوا عاقين بالنسبة له، وحتى لو أمر بمعصية (فلا تطيعوه فيها ) ولا يجوز العقوق، قال الله: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما} فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لكن بعدها مباشرة قال: {وصاحبهما في الدنيا معروفا}.
أعتقد أن بعدكم من الوالد أو قربكم من الوالدة يزيد من الإشكال، فأرجو أن تقتربوا منه، لأن بعدكم عنه لا يزيد الأمر إلا سوءا.
نتمنى أن نكون قد أشرنا إلى النقاط المهمة، ونسعد بمزيد من التواصل مع الموقع، وحق لنا أن نخاف من آثار المعصية؛ لكن العظيم العدل الرحيم يقول: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، فاجعلوا همكم إنقاذ هذا الوالد مما فيه من مخالفات.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يقر أعينكم بصلاحه وعودته إلى الصواب، وأن يعينكم وأن يعين الوالدة الصابرة المحتسبة على تحمل هذا الأذى، ونسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم الأجر والثواب.