السؤال
السلام عليكم
أنا شاب تخرجت من قسم الهندسة المدنية، عانيت كثيرا أكثر من 3 سنوات تحضير للهندسة، وبعد ذلك لم أجد أي فرصة عمل، لا في مجال الهندسة ولا في غيره.
عندما أتقدم لأي فرصة عمل تتعطل، أصبح لي أشهر عديدة أبحث وأبحث لكن لا يوجد، تعسير أمور رهيب جدا في حياتي، حتى أثناء دراستي عانيت جدا من ظروف قاهرة، هل امتحان الحياة قاس لهذه الدرجة.
أرجو حلا لوضعي، علما أنني لا أقصر في عبادتي، وأرجو منكم الدعاء لي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد اللطيف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك في موقعك (إسلام ويب) بين أهلك وإخوانك والذين يسرهم دوما تواصلكم معهم ، ونسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن قنع بالحلال ورضي به، وآمن بالقدر فلم يسخط عليه، وأن يجعلنا جميعا من أهل الاستقامة والصلاح.
أخي عبد اللطيف : دعنا نبدأ معك من حيث انتهيت، وبالتحديد في قولك (هل امتحان الحياة قاسي لهذه الدرجة) ونحن نجيبك بقولنا: نعم اختبار الجنة والفوز بها ودرجاتها العلية قاس، وكلما اشتد كلما كان صاحبه عند الله أرفع منزلة، وعليه فإن الابتلاء في حد ذاته متفاوت من فرد إلى آخر.
فأعظم المبتلين وأكثرهم: أنبياء الله تعالى، فعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه الحديث وفيه: حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة "وفي لفظ آخر قال: الأنبياء، قال: ثم من؟ قال العلماء قال: ثم من؟ قال: الصالحون".
والبلاء مهما كان صغيرا؛ فصاحبه مأجور، فعن عبد الله بن عمر قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا قال أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ذلك أن لك أجرين قال أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها".
هذه طبيعة الحياة -أخي- عبد اللطيف، وقد أحسن من قال:
جبلت على كدر وأنت تريدها ،،، صفوا من الأقدار والأكدار.
ومكلف الأيام ضد طباعها ،،، متطلب في الماء جذوة نار.
فالعيش نوم والمنية يقظة ،،، والمرء بينهما خيال سار.
وإذا رجوت المستحيل فإنما ،،، تبني الرجاء على شفير هار.
لكن آفة بعض المبتلين أخي عبد اللطيف: أن من فيه يظن أنه أكثر الناس بلاء، ولا يرى ما أنعم الله عليه من نعم آخر ، فمثلا الفقير لا يرى نعمة الله عليه في صحته أو في زوجه أو في أولاده وإنما ينظر إلى ربه من خلال فقره، ومن ابتلي بالمرض لا ينظر إلى نعم الله عليه في الغنى أو الزوجة الصالحة أو الولد البار ويظل ينظر إلى الله من خلال مرضه، وهذا سوء أدب مع الله -عز وجل-.
ولو فتش كل فرد فينا على النعم الموجودة عنده لوجدها كثيرة لكنه عنها غافل، فكثير من الشباب اليوم في المشافي أكبر آمالهم أن يجدوا متبرعا لشراء دواء يسكن آلامهم، وغير هذا كثير، وبعضهم يراسلنا وهو مريض وموقن أن العلاج لم يعد له نتيجة، ومع ذلك راض عن الله محتسب وصابر.
أخي الحبيب: إننا يجب علينا أن نوقن بأن تلك هي طبيعة الحياة التي خلقها الله فلا نقلق ولا نخاف ولا ننهزم داخليا قال تعالى: "(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ۚ وهو العزيز الغفور)"، فالغاية من هذا الخلق: الابتلاء والتمحيص، المؤمن الصابر المحتسب هو من يتلقى البلاء برضا ويقين، مؤمنا بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن كل بلاء عند الصبر عليه نعمة لصاحبه قال -صلى الله عليه وسلم-"عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكانت خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيرا له "كل حياته شكر أو صبر، هكذا هو المسلم العاقل، يرضى دائما بقسمة الله له دون سخط عليه، لأنه لا يدري لو تغير حاله من حال إلي غيره هل يكون خيرا له أم لا، هكذا علمه القرآن (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، لذا هو مسلم لله فيما أمر، متوكل عليه فيما طلب ، شاكر له فيما رزق، راض عنه فيما أصيب من ضر، أو عناء وهو يدرك أنه مأجور في كل ذلك، هذه المعاني لا بد أن تصل إلي قلبك وعقلك لأنه عامل هام جدا من عوامل تهدئة النفس التي تجلب لك السكينة.
كما يجب ان تعلم أن الابتلاء لا يدل على غضب الله عليك أو سخطه فلا تجزع، بل أحيانا ما يكون البلاء دليل عافية فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط".
فارض بقسم الله -عز وجل-، ولا تتوقف عن السير والبحث والعمل، وحتما ستفتح لك الأبواب التي ترجوها -إن شاء الله-، وستغمرك الراحة والسعادة بعد أن نجحت في هذا الاختبار، المهم -يا أخي- لا تتوقف ولا تتكاسل وابذل كل وسعك في البحث الدؤوب عن العمل، وعليك بقيام الليل، وكثرة الدعاء لله، مع الظن الجميل فيه بأنه لن يخذلك ولن يضيمك، فالله عند حسن ظن عبده به.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير وأن يسعدك، ونحن إخوانك في أي وقت راسلنا.
والله الموفق.