السؤال
السلام عليكم.
أعاني من الوسواس القهري، تأتيني وساوس كفرية ووساوس جنسية أثناء صلاة الجماعة، حيث أفكر تفكيرا لا يليق، ويضيق صدري، ولا أدري هل هذا الضيق عدم رضا بالصلاة، أم ماذا؟ والله إني حزين، تركت عملي بسبب هذه الوساوس، أخاف أن يحاسبني الله على هذا التفكير الكفري، حياتي أصبحت عبارة عن خوف وتوتر وقلق.
عندما أفتح كتاب الله أجد عيني تقع على آيات الوعيد، وإذا ذهبت إلى أي مكان فيه تلاوة قرآن آول آية أسمعها فيها وعيد، أقول في نفسي هذا من أفكاري السيئة التي لم يفكر أحد من العالمين بمثلها، وهذه الأفكار إذا تحولت إلى عمل، هل لي توبة؟ أنا خائف أن أكون مستهزئا بالصلاة، لأني أفكر فيها تفكيرا لا يليق بها.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مؤيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله لك الشفاء والعافية.
أخي: أرجو أن تطمئن، هذه وساوس، نعم هي مؤذية جدا للإنسان، وقد أصابت خير القرون - أعني بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد اشتكوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها، فهناك من قال - فيما معناه -: (والله يا رسول الله لزوال السماوات والأرض خير لي من أن أتحدث عما يأتي في نفسي) فطمأنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائلا له: (قل آمنت بالله، ثم انته) أو قال: (فليستعذ بالله ولينته)، يعني: هذه الأفكار أفكار وسواسية حقيرة، لا تحاورها، لا تناقشها، وقل (آمنت بالله)، ويمكنك أن تكرر من ذلك (آمنت بالله، آمنت بالله، آمنت بالله) بشرط ألا تحاور هذه الأفكار، ولا تناقشها، يجب أن تنتهي.
الوسواس - أخي الكريم - يعشعش ويستمر ويستحوذ من خلال حواراتنا التي نجريها معه، أو محاولاتنا لإخضاعه للمنطق، وأن نبحث له عن سبب، وهو لا سبب له، ولا منطق فيه. فيا أخي الكريم: أغلق على هذه الوساوس بهذه الكيفية، ولدرجة حقارتها كبر النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة)، يعني أن الشيطان لم يستطع إلا أن يفعل شيئا غير الوسوسة، والحمد لله على ذلك.
أحد العلاجات السلوكية الممتازة جدا والتي تقوم على نفس هذا المبدأ هو أن تقوم بكتابة هذه الأفكار الوسواسية، ابدأ بأقلها شدة وانته بأشدها قوة، وبعد ذلك طبق ثلاثة تمارين: التمرين الأول نسميه بـ (تمرين إيقاف الأفكار) والتمرين الثاني نسميه (تمرين صرف الانتباه)، والتمرين الثالث نسميه بـ (تمرين التنفير).
ابدأ بالفكرة الأولى وطبق عليها التمارين الثلاثة:
1. تمرين إيقاف الأفكار الوسواسية: عملية بسيطة جدا، تتأمل في الفكرة ثم تقول: (قف، قف، قف، أنت فكرة حقيرة، أنت تحت قدمي، توقفي، توقفي، توقفي) تكرر ذلك لمدة دقيقتين، أو حتى تحس بالإجهاد.
2. تمرين صرف الانتباه عن الفكرة الوسواسية: وهو أن تأتي بفكرة أكثر سموا وجمالا ونفعا من الفكرة الوسواسية، أي أن تجعل في الطبقة الأولى في مسلسل أفكارك الفكرة الجديدة، ومن خلال (صرف الانتباه) سوف تضعف الفكرة الوسواسية أو تنتهي، مثلا: تأمل في التنفس لديك، كيف أن هذا التنفس يحدث دون أن نشعر به، وما فائدته، وكيف أن الأكسجين يدخل في الرئتين، ثم ينتشر في الجسد، ويكون سببا لتغذية الجسم، ثم كيف يخرج الهواء، وهكذا. تأمل وتدبر في خلق الله العظيم، وقل: (ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار}، وبعد ذلك قم بعد التنفس لديك لمدة دقيقتين، كم مرة يخرج الهواء ويدخل.
3. تمرين التنفير: وهو أن تربط الفكرة الوسواسية بشيء مخالف لها، مثلا تذكر حادثا كارثيا كاحتراق طائرة مثلا، أو قم بشم رائحة كريهة، وفي ذات الوقت استجلب الفكرة الوسواسية، وربما يكون أسهل من ذلك كله أن تقوم بالضرب على يدك على جسم صلب - كسطح الطاولة مثلا - حتى تحس بالألم، أن ترفق الألم بالفكرة الوسواسية وتكرر ذلك عدة مرات - عشرين، ثلاثين مرة - متواصلة، بمعدل مرتين في اليوم سوف يضعف الفكرة الوسواسية.
بعد أن تنته من التطبيقات الثلاثة - أي التمارين الثلاثة - انتقل من الفكرة الأولى للفكرة الثانية، ثم التي تليها، ثم التي تليها، ويجب أن يكون تطبيق هذه التمارين في مكان هادئ، غرفتك مثلا.
أنت أيضا تحتاج لعلاج دوائي، وأفضل علاج لحالتك الدواء الذي يسمى علميا (فلوكسيتين)، تحتاج له بجرعة عشرين مليجراما يوميا لمدة أسبوع، ثم تجعلها أربعين مليجراما يوميا لمدة شهر، ثم ستين مليجراما يوميا، وتستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم تجعل الجرعة أربعين مليجراما يوميا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم عشرين مليجراما يوميا لمدة ثلاثة أشهر ثالثة، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناوله، الدواء سليم، وليس له آثار جانبية، ولا يسبب التعود ولا الإدمان.
أسأل الله أن ينفعك به، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.