السؤال
السلام عليكم.
أنا عمري 14 سنة، ملتزم -والحمد لله-، لكن في بعض الأحيان لا أحس بلذة الطاعة، ولا أخشع لله، ثم يلين قلبي ثم أعود مرة أخرى لا أخشع، ولا أستلذ بالطاعة، ثم يلين قلبي وهكذا، لكن هذه المرة لا أستطيع النهوض بقلبي، أحس بقسوة وعدم خشوع تام من القلب، وأيضا كما ذكرت قلبي دائم الفتور، ومدة الفتور تزداد، فأنا أريد منكم حلا نهائيا، أثابكم الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام، وقد أسعدنا هذا السؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياك ممن يخشع في صلاته، ويتبتل إلى الله تبارك وتعالى، وأن يرزقنا حسن العبادة وحسن العمل، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو.
سعدنا جدا بفكرة السؤال، ونؤكد لك أن من ذاق لذة الطاعة سيستمر ويسعى من أجل الوصول إليها، وعدونا الشيطان لا يريد لنا أن نستمتع بطاعتنا لله تبارك وتعالى، لكن الخشوع في الصلاة يحتاج إلى مجاهدة، ويحتاج إلى إكثار من الطاعات، وإكثار من النوافل، لأن الذي قال: {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون} هو الذي قال بعدها: {والذين هم على صلاتهم يحافظون} وقال في أخرى: {والذين هم على صلاتهم دائمون}، فإن إرادة الخشوع وصدق التوجه إلى الله تبارك وتعالى والرغبة في أن يخشع الإنسان ويتلذذ في عبادته ثم الاستمرار في الطاعات وتكرار المحاولات؛ قاعدة أساسية في الوصول إلى الخشوع، وقد قال قائل السلف: (جاهدت من أجل الخشوع عشرين سنة، ثم تلذذت بالصلاة عشرين سنة).
ونبشرك بأن الإنسان يؤجر على هذه المجاهدة من أجل أن يتحصل على الخشوع، ويؤجر على ما خشع من صلاته، كما قال ابن القيم، لأنه مثل الذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق؛ فله عند ذلك أجران.
وعليه فنحن ننصحك بالآتي:
أولا: عليك أن تستعد للصلاة قبل وقتها، ثم تمشي إليها في سكينة ووقار، ثم تدخل إلى بيت الله وأنت ذاكر لله، ترجو ما عند الله، ثم تشغل نفسك قبل الصلاة بالسجود أو التلاوة أو الدعاء، ثم إذا صليت تستشعر الوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى، ثم تتلذذ بما تسمع من كتاب الله تبارك وتعالى، وتتدبر هذا الكلام الذي تتلوه أو تستمع إليه إذا كنت في صلاة جهرية، ثم عليك أن تستحضر معاني أذكار الركوع والسجود.
واعلم أنك ستظل في مجاهدة مع هذا العدو الذي لا يريد لنا أن نخشع في صلاتنا. وهذا الإحساس منك طبيعي، وهذا الصراع الذي يحدث أيضا طبيعي، لكن الذي نريده هو العزيمة والتوكل على الله تبارك وتعالى، والاستعانة به، وستفوز بإذن الله ما دامت هذه هي الرغبة فيما يقربك إلى الله تبارك وتعالى، وتجد طعم الصلاة وطعم الإيمان بحول الله وفضله ومنه.
وأذكرك وأنفسنا بقدوم شهر رمضان الذي نسأل الله أن يبلغنا إياه وأن يعيده علينا وعليكم أعواما عديدة وسنوات مديدة في طاعته، ونؤكد أنه من أحسن الفرص لاستحضار الخشوع، لأن الصيام فرصة كبيرة، والصيام ينمي في قلب الإنسان روح المراقبة لله تبارك وتعالى ومعاني الإحسان، فعندها ستعبد الله المؤمن الصائم حقا، يعبد الله كأنه يراه، لأن الصيام عبادة تربط الإنسان بالله تبارك وتعالى وبمراقبته، قال الله في شأنه: (إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به).
فاستمر على ما أنت فيه من الخير، واحرص على أن تصلي في جماعة، واحفظ بصرك، وابتعد عما يغضب الله تبارك وتعالى، وابتعد عن المعاصي والشواغل، وما أكثر الشواغل في جوالاتنا وفي حياتنا، لكن ينبغي أن نتذكر أن الخشوع في الصلاة فرع عن الخشوع في الحياة، فالذي يأتي للصلاة من طاعات وأذكار يعان على الخشوع فيها، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.