السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تزوجت بعمر 17 سنة، وتطلقت لأسباب كثيرة، في فترة طلاقي كانت بيني وبين طليقي مشاكل كثيرة، أخذ مني ابنتي، وانتابتني حالة غريبة، كنت أنام ولا أتكلم، ودائما أبكي، نفسيتي دائما تعبانة.
بعد عام ظننت أني شفيت من تلك الحالة، لكن قبل شهرين رجعت نفس الأعراض، لكن بطريقة أسوأ، حيث أحيانا أفكر في قتل نفسي، وأحيانا أفكر في أشياء جنونية، ودائما حين يتكلم معي أحد أفراد الأسرة بقسوة، أو يعاتبني أبكي بسرعة، حتى وإن كان الأمر لا يستحق، لم أفهم لماذا؟ هل هذه أعراض الاكتئاب، أم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة؟
وشكرا على مجهوداتكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولا نسأل الله تعالى لك الصحة والعافية وأن يجبر كسرك، ويعوضك بما هو أفضل وأحسن وبما ينفعك في دينك ودنياك.
لا شك أن ما مررت به من أحداث ومتاعب كفيل بأن يغير حالتك النفسية، وما تعانين منه أعراض هو عبارة عن ردود فعل طبيعية يمكن أن تنتاب أي شخص آخر من جنسك أو في نفس الفئة العمرية.
فالشعور بالفقدان والانهزام والحرمان والفشل كلها من أعراض الاكتئاب، وهو ناتج عن الأحداث التي تعرضت لها والتي تتمثل في فقدان بيت الزوجية والحرمان من رعاية طفلتك وسلب مشاعر الأمومة.
أما ما يميز أعراض اضطراب ما بعد الصدمة الذاكرة المشتتة والاسترجاع القهري للأحداث، وفي العادة تكون غير مترابطة أي ليست لها بداية ونهاية، والأفكار السلبية وشدة الحساسية والتجنب أي الابتعاد عن كل ما يتعلق بالأحداث والتجارب الماضية وعدم التحدث فيها والشعور بعدم الأمن والأمان.
والتشخيص السليم يتطلب معرفة العوامل المهيئة، أي كل ما يتعلق بالجوانب الوراثية وخبرات الطفولة وما صاحبها من أحداث تربوية ونفسية، وكذلك معرفة العوامل المعجلة لظهور هذه الأعراض، وأيضا معرفة العوامل المحفزة لزيادة واستمرارية هذه الأعراض، وما لديك وما قمتي به من سلوكيات وطرق من أجل التعايش مع الأحداث السابقة.
وبالإضافة لما ذكره شيخنا الفاضل د. أحمد المحمدي من إرشادات ونصائح ستساعدك حتما في التعايش مع المشكلة، نذكرك بأنك لست الوحيدة التي حدث بينها وبين زوجها خلاف، ولست الوحيدة التي حرمت من رعاية طفلها.
وإنما هناك العديد من النساء والأمهات عانين من نفس المشكلة، ومشكلتك ربما تكون أخف لأنك ما زلت في مقتبل عمرك، وما زالت هناك فرصة لعودة الحياة الزوجية بثوب جديد سواء مع طلقيك أو مع شخص آخر، وما زالت هناك فرصة لعودة ابنتك لأحضانك، والحياة تجارب وخبرات وربما يكون القادم أفضل -بإذن الله-، فلا داعي -أختنا الكريمة- متابعة التفكير السلبي الذي يمكن أن يؤدي إلى خسران الدنيا والآخرة.
—————————————————————————-
انتهت إجابة: د. علي أحمد التهامي -
وتليها إجابة: د. أحمد المحمدي -مستشار شؤون أسرية-.
—————————————————————————-
أهلا بك في موقعنا إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله أن يكسف عنك ما ألم بك، وأن يخفف عنك ما وقع عليك، وأن يصلح حالك، وأن يبشرك بما يسعدك.
أختنا الكريمة: لا شك أن ما مر بك ابتلاء عظيم، وقد أصابك وأنت لا زلت صغيرة وخبرتك في الحياة ساعتها كانت ضئيلة، ولا شك كذلك أن ما حدث أثر عليك وصاحبك في يقظتك ومنامك وسائر حياتك، ولكن طريقة المعالجة أو التعاطي معه كانت ناقصة لذلك حين عاد عليك ما ظننته رحل عنك ما أصابك، ونحن هنا لن نستغرق في تشخيص الحالة هل هو اكتئاب أو مقدمات أو ارتدادات صدمات باقية، بل سنتجاوز ذلك لنتحدث عن الابتلاء وعلته وكيفية تجاوزه، ولذلك نرجو منك أن تقرئي ما نكتبه بعنايه، وإنا لنرجو الله أن يجعل لك من هذا الضيق فرجا ومخرجا:
أولا: القاعدة الأولى في التعامل مع الابتلاء: الفهم بأن الدنيا دار كدر وقد خلقت للتمحيص قال الله تعالى : "ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون" فلا بد من البلاء والفتن حتى يصبر أهل الحق فيرفعهم الله إلى أعلى درجات الجنة، وينكشف أهل السوء، والمهم هنا أن نؤمن بأن تلك هي طبيعة الحياة وأنها مجبولة على الكدر والابتلاء، وأي زعم بأن إنسانا خاليا من المشاكل هو قول نظري لا صلة له بالواقع، تلك طبيعة الحياة التي أوجدنا الله فيها.
جبلت على كدر وأنت تريدها ،،، صفوا من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ،،، متطلب في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة ،،، والمرء بينهما خيال سار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ،،، تبني الرجاء على شفير هار
فليس ثمة أحد في الحياة ناج من ذلك، لكن البلاء يتنوع من حال إلى حال فمن الناس من يبتلى بالمرض ومنهم من يبتلى بالفقر ومنهم من يبتلى بالطلاق والحرمان من الولد، ومنهم من يبتلى بالتضييق عليه ماديا أو اجتماعيا أو نفسيا، المهم أن لكل فرد نصيبه من الابتلاء.
وأغلب الناس وهو يأخذ قدره من البلاء يعتقد أن بلاءه أكبر وأشد وأشق وأعظم بلاء، لكنه إذا رأى بعين الحقيقة عظم ما يقع فيه الناس لهان عليه مصابه، ولعلم أنه في جوانب كثيرة منعم عليه.
ثانيا: خلف كل صبر على البلاء أجر عظيم من الله عز وجل: تلك هي القاعدة الثانية من قواعد التعامل مع البلاء. فالمؤمن يحين يعتقد بذلك، ويؤمن بأن له ربا سيأجره على مصابه، فإن ذلك يدفعه إلى التصبر والتعامل بإيجابية مع الأحداث الواقعة عليه.
ثالثا: الرضا بقدر الله عز وجل والتسليم الكامل بذلك: القاعدة الثالثة في التعامل مع البلاء، وهذا من شأنه أن يورث الأمن والإيمان في قلب المسلم، فيعيش في غاية السعادة، وسط كل الآلام التي يعاني منها، وإذا غاب عن المسلم ذلك، وعاش همه وغمه، وتضجر من قدر الله، فإنه يعيش حياة البؤس، والشقاء واليأس، والبكاء الذي لا ينقطع ولا يرد شيئا مما وقع، بل يصيبه هذا بالكمد والاكتئاب وقد يسلمه إلى الانتحار ليخسر بذلك الدنيا والآخرة، وعليه فالمطوب منه بعد الرضا بالقدر: التوجه إلى الله بالضراعة كما فعل أيوب عليه السلام والصبر على المكاره وهذا يزيل من النفس الهم والغم.
قال الشاعر:
فدع ما مضى واصبر على حكمة القضا ** فليس ينال المرء ما فـات بالجهـد
على أن في دعاء أيوب عليه السلام ومناجاته ربه آدابا ينبغي أن نراعيها، ونتعلمها، منها: أنه عرض حاله فقط على الله عز وجل وكأنه يقول: هذه هي حالي فإن كان يرضيك هذه الآلام والأمراض التي تسري في أوصالي، وهذه الآلام التي تؤرقني، إن كان ضيق معيشتي، إن كان يرضيك هذا، فلا شك أنه يرضيني، وإن كان عفوك وكرمك ورحمتك تقتضي أن ترحمني، وتزيل ما بي من بؤس، وألم ، فالأمر كله إليك، ولا حول ولا قوة إلا بك.
رابعا : ما مضى أمور مهمة جدا لتحصينك من الاكتئاب أو البؤس الذي يريد أن يحيط بك، وهو في ذات الوقت وسيلة خلاص من الهم الذي اعتلاك.
خامسا: من المعينات أن تنظري بإيجابية إلى بعض الأشياء الحسنة في حياتك، ولابد لكل إنسان من أمور حسنة وإيجابيات نافعة في حياته، والعاقل هو من يستحضرها عند الأرق والفزع، ونريد منك وأنت تتذكرين هذه الإيجابيات أن تكتبيها في ورقة خارجية، واجعليها في مكان آمن، كلما ضاقت بك الدنيا اقرئيها مرة أخرى، وستعلمين ساعتها فضلها.
سادسا: للرفقة الصالحة دور إيجابي في تجاوز تلك المرحلة، لذلك فإنا نوصيك من البحث عنهن، والجلوس معهن، وتخصيص بعض أوقاتك في ذلك أمر هام جدا.
سابعا: اجتهدي أن تجعلي لنفسك أهدافا بعضها قريب وبعضها طويل الأمد، واجتهدي أن تجعلي تلك الأهداف متاحة لديك سهلة المنال، فإن هذا مما يعطيك دافعية لمقاومة الابتلاء.
ثامنا : إن استطعت أن يكون لك دور في عمل مجتمعي تخدمين به المسلمين والمسلمات كالالتحاق بدار أيتام أو جمعية للنساء تعنى بمساعدة الفقراء، فهذا أمر حسن فيه الأجر وفيه المعين على تجاوز الصعاب التي تواجهينها.
تاسعا: لا غنى لك عن خلوة مع الله ولو ركعتين كل ليلة، احرصي على تخصيص وقت ولو بسيط في ذلك، المهم أن يكون دائما، وسوف تشعرين بسعادة تفوق تخيلك.
وفي الختام -أختنا الفاضلة- عليك بالدعاء إلى الله عز وجل أن يصلحك وأن يقدر لك الخير حيث كان، واعلمي أن الله قريب مجيب الدعاء، ونحن إخوانك في أي وقت راسلينا، وإنا نسأل الله أن يوفقك لكل خير وأن يصلح حالك والله الموفق.