كلما تفاءلت خاب أملي!

0 30

السؤال

السلام عليكم.

تفاءلت كثيرا بحصولنا على المال، لكن يخيب أملي كل مرة، عندما عرفت بأننا سنحصل على المال فرحت كثيرا، لكن باليوم التالي حدث خلاف بيني وبين والدتي، ومنذ ذلك اليوم لا أتحمل أي شيء، أبكي في أي لحظة أشعر بسوء المعاملة، أتمنى الموت، أحاول الانتحار لكني أسيطر على نفسي، والأهم من ذلك أكره نفسي، أشعر بأن الله لا يحبني، لا أريد أن أقولها لكن كان أملي بالله قويا لكن خاب ظني، لا أستطيع أن أشكو لعائلتي، لأنهم لن يفهموني أبدا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ناراء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.

أختنا الكريمة: نريد قبل أن نجيب على سؤالك، نريد أن نسألك عن طفل يريد من أمه جوالا خاصا به، وهي تعلم قطعا أن الجوال باب شر عليه، وهو مقبل على الاختبار، وفي جلب الجوال له ضرر حاصل له، فلو كنت مكانها والطفل يبكي هل تعطينه ما يضره بيديك أم تحجبين عنه لحبك له؟ وهل سيتفهم الطفل اليوم سبب المنع أم عندنا يكبر سيفهم، وساعتها يحمد الله على منعك له؟

أختنا الكريمة دعينا الآن نبدأ الجواب:

- الدعاء عبادة قلبية، والتوجه لله بالدعاء محض فضل وتوفيق من الله تعالى، والاستجابة فضل آخر، فقد يكون المنع عين العطاء، وقد يكون ما تريدينه اليوم من مال هو شر لك وأنت لا تدري، فالله يمنع ما يضرك، ويعطيك ما ينفعك، والواجب على المسلم العاقل أن يسلم لله عز وجل في قدره له، ويعلم أن عطاء الله هو الخير له.
هكذا علمنا القرآن -أختنا الكريمة-، قال تعالى:(وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) فالله يعلم أين الخير، ومتى يكون لك خيرا، أو عليك نقمة!

ثانيا: البكاء الذي اعتراك، والتفكير السلبي الذي أصابك، كل هذا من جراء عدم فهم تلك الحقيقة السابقة، بالإضافة إلى أمر آخر نريدك أن تنتبهي له، وهو أن الدنيا دار ابتلاء لا دار جزاء، الجزاء في الجنة، ولا يوجد أحد في دار الابتلاء إلا وله نصيب فيه، تلك طبيعة هذه الدار، لا يوجد أحد منعم عليه في كل شي، بل لكل فرد نصيبه من هذا البلاء شاء من شاء وأبى من أبي.
وقد قال الشاعر قديما:

حكم المنية في البرية جار ،،، ما هذه الدنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبرا ،،،، حتى يرى خبرا من الأخبار
جبلت على كدر وأنت تريدها ،،، صفوا من الأقدار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ،،، متطلب في الماء جذوة نار

فالبلاء إذا مكتوب على بني آدم، ليبلونا أينا أحسن عملا، وأقدر على الصبر حتى ينال من الله الأجر. وهذا الابتلاء يتفاوت من فرد إلى غيره، لكن كلما عظم فصبر صاحبه؛ كلما عظم أجره، وبان فضله، فعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: قلت يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه الحديث وفيه: حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" وفي لفظ آخر قال: الأنبياء، قال: ثم من؟ قال العلماء قال: ثم من؟ قال: الصالحون" وعن فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة قالت: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في نساء نعوده، فإذا بسقاء يقطر عليه من شدة الحمى، فقال: إن من أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" والبلاء مهما كان صغيرا صاحبه مأجور على ذلك.

فعن عبد الله بن عمر قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا قال أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم قلت ذلك أن لك أجرين قال أجل ذلك كذلك، ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها.."

لكن ما يضيق الصدر عند بعض الناس: أنه يستحضر مصيبته ويراها تعظم في عينيه وتكبر حتى تصير أكبر مما هي عليه، وينسى ما أصابه مما أنعم الله عليه من نعم أخرى يتمناها غيره، بعض الناس ينتظر الصباح ليغسل كليته، كل يوم هذا حاله، وأقصى أمانيه أن يغسل يوما بعد يوم، وغير هؤلاء كثير، فاحمدي الله على العافية.

ثالثا: للدعاء أختنا آداب ينبغي مراعاتها:
1- عدم التعجل: فقد حذرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الاستعجال، وبين أنه سلوك لا يصح من المسلم، ففي الصحيحين عن أبي هريرة: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت فلا، أو فلم يستجب لي". وفي رواية لمسلم: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل"
قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: "قد دعوت وقد دعوت، فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء"

2-: التسليم لله فيما قضى وقدر: فقد يختار الله تعالى له برحمته القائمة على الحكمة غير ما سأل، فيدفع عنه من البلاء، وقد يدخر له في الآخرة الأجر والثواب، فهو سبحانه وتعالى أعلم بمصالح عباده، وأرحم بهم من أنفسهم وأهليهم.

3- الدعاء كله مستجاب ما لم يدع بما فيه ضرر، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث:
إما أن يعجل له دعوته.
وإما أن يدخرها في الآخرة.
وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها"
قالوا: إذا نكثر، قال: "الله أكثر"

وأخيرا: ذكر الإمام ابن الجوزي -رحمه الله- أدب السلف في ذلك فقال: كانوا يسألون الله فإن أعطاهم شكروه، وإن لم يعطهم كانوا بالمنع راضين، يرجع أحدهم بالملامة على نفسه فيقول: مثلك لا يجاب، أو يقول لعل المصلحة في أن لا أجاب. وهذه إشارات مفيدة، فقولهم مثلك لا يجاب اتهام للنفس بالتقصير، وذلك مما يدفع لمزيد من الإقبال والاستغفار والابتهال.

وهذه وصيتنا لك، استمري في الدعاء من غير يأس، واعلمي أن لله حكمة في كل شيء، وأن من رضي فله الرضى، ومن سخط فعليه السخط.

نسأل الله أن يحفظك وأن يرضى عنك، وأن يرضيك بالقضاء، والله ولي التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات