أخشى أن أحسد الآخرين على ما رزقهم الله، فما العمل؟

0 52

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وفقكم الله وبارك فيكم، وجزاكم الله خيرا كثيرا مباركا فيه.

مشكلتي مع وسواس الحسد، بدأت عندما كنت أدعو الله بكل ما أريد، مثلا أريد التوفيق في الدراسة، أريد الصحة، الزوج، التوفيق في العمل، راحة البال، وهكذا، وعندما كنت أدعو خطر في بالي: ما هذا الطمع؟ إن دعيت بكل هذا فما الذي سينقصك؟ لا يوجد إنسان كامل، فتطور الأمر معي أني سأحسد نفسي أو أحسد أي شيء أنظر إليه، مع العلم أني لا أريد أن أحسد أحدا، ولا أتمنى أن تزول نعمة أي أحد، أعلم أن الله مقسم الرزق للناس بالتساوي، فممكن أن يرزق شخصا مالا، لكنه وحيد، وشخصا آخر يرزقه بصحبة صالحة لكنه فقير، وهكذا، لذلك جاءني وسواس أنه لا يوجد أي أحد كامل.

في مرة نظرت لشخص -ومع جهاد مني لأمنع ما يدور في بالي- قلت هذا شخص لديه كل شيء، ما الذي ينقصه؟ فانقبض صدري وكرست دعائي كله له، والدعاء بالبركة له، وتطور الأمر بأنني أصبحت أنظر للناس كلهم بهذه الطريقة، وأني سأحسدهم، وعندما أقول ما الذي ينقصه؟ أذكر نفسي بأن كل الناس لديهم ابتلاء، فأصبح لدي وسواس الحسد.

الآن إذا رأيت إنسانا جميلا مثلا، وخلقه حسن ومتفوق في حياته، يأتيني الوسواس، فأقول في نفسي لأقاوم الوسواس: لقد تعب ليصل لذلك، أو إنه مبتلى بشيء لا ترينه.

فكيف أوقف هذا الوسواس؟ أرجوكم لأنني لا أريد أن أؤذي أحدا، وإن حدث شيء لأي شخص منهم لن يكفيني أن أقتل نفسي، لا أعلم ما تشخيص حالتي، ولماذا أفكر بهذه الطريقة؟

شكرا لكم، وبارك الله فيكم، ورزقني وإياكم بكل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أختنا الفاضلة: أهلا بك في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، وشكر الله لك التزامك بالله وطاعتك له وحرصك على عمل الخير، وبخصوص ما تفضلت به فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: ما وقع منك ليس من قبيل الحسد ولا قريبا منه حتى، لأنك كما ذكرت لا أحسد أحدا، ولا أتمنى زوال نعمة من أحد، وهذا هو الفارق الدقيق بين الحسد وبين الوسواس الذي يوهمك بأنه حسد.

ثانيا: ليس هناك أحد منعم عليه دائما، ولا منعم عليه في كل شيء، وفي كل وقت، بل من عدل الله أنه يقسم الابتلاء على الناس قد يكون في وقت واحد بأن يكون عنده مال ومرض، أو عنده زوجة وفقر، أو عنده ولد صالح وآخر فاسد، وقد يكون في وقت مغاير، كأنه يعيش منعما وقتا ومبتلى آخر، المهم أن البلاء قائم وليس شرطا أن يراه الغير، لأن كل إنسان أدرى ببلائه وأخبر، وقد نرى إنسانا فنظن أنه أسعد الناس وهو أتعسهم ولا يشعر به أحد.

ثالثا: الحسد لا يقع مع الذكر، فإذا دعوت بالبركة لمن هذا حاله، أو قلت تبارك الله فإن هذا يكفى لسلامته، فقد أخرج أحمد، والحاكم عن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يمنع أحدكم إذا رأى من أخيه ما يعجبه في نفسه، وماله فليبرك عليه، فإن العين حق. ومعنى فليبرك عليه: يدعو له بالبركة.

وعن عامر بن ربيعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأى أحدكم من نفسه، أو ماله، أو أخيه ما يعجبه، فليدع له بالبركة، فإن العين حق. رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع.

ومما يدفع به إصابة العين لمن خشى العين أو الحسد قول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، روى هشام بن عروة، عن أبيه أنه كان إذا رأى شيئا يعجبه، أو دخل حائطا من حيطانه قال: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله. وقال ابن كثير: قال بعض السلف: من أعجبه شيء من ماله، أو ولده فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
وعليه فأنت بهذا من أبعد الناس عن الحسد، ولن يصاب أحد بسببك ما دمت على ذلك.

رابعا : نأتى إلى الوسواس ونريد منك أن تتفهمي طبيعته، إنه لا ينشط إلا في بيئة التفكير السلبي فيه، فإذا أردت القضاء عليه فحولي كل أمر سلبي إلى إيجابي، فالوسواس سخيف، والإنسان يربطه في فكره بالسخف، فرددي لنفسك، هذا وسواس، كلام فاضي، كلام سخيف، هذا نوع من التغيير المعرفي المهم جدا، فحين يستخف الإنسان شيئا فسوف يحتقره، وحين يحتقره سوف يحدث ما يعرف بفك الارتباط الشرطي، أي أن الوسواس يصبح ليس جزءا من حالة الإنسان.

وعليه فإننا ننصحك بصرف ذهنك عن هذا الأمر، وأن تشغلي نفسك بغيره، وأن تقرني كل تفكير فيه بأمرين:
الأول: كونه سخيفا وكلاما فارغا.
الثاني: الدعاء بالبركة لمن وقع عليه الكلام، والدعاء له لمرة واحدة، وتغيري الموضوع بالجملة من رأسك، كما نود منك أن توظفي وقتك وطاقتك في أشياء مفيدة ونافعة كالعلم والتعليم، والدعوة إلى الله تعالى، وما تيسر من خدمة أهلك وأخواتك، ولو استطعت عمل نشاط مجتمعي فلا حرج في ذلك.

وفقك الله ورعاك، وثبتك على الحق، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات