أشعر بآلام نفسية وحرمان بسبب قصر قامتي الشديد.

0 35

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه.

بداية أنا أعاني من آلام نفسية وداخلية شديدة، فأشعر بأن بيني وبين الجنون شعرة، فقد ابتلاني الله بقصر القامة -قصر شديد- حيث أن طولي 130 سم، مما جعلني أعيش حياة صعبة لا أنجو من نظرات الناس خاصة النساء، وخصوصا الشابات منهن، وما يكنونه عني في الداخل، مما يجعلني أشعر بأنني مصدر إزعاج للفتيات، وأنني شخص غير مرغوب فيه، فبالتالي يكون الموافقة على الزواج من قبلهن أمر شبه مستحيل، مما يصعب الأمور أكثر ويزيد من آلامي النفسية والتفكير المحير، ومما يزيد الطين بلة هو أنني شخص في الأصل مهووس بالنساء، فالتخيلات لا تفارقني، ليس بالضرورة أن تكون تخيلات جنسية دائما، فأي امرأة طبيعية أي ليست بها إعاقة مخلة أو تنفر أنجذب إليها بسرعة، وأشعر بالرغبة فيها، وليس أيضا بالضرورة أن تكون رغبة جنسية دائما، ولكن ما أعنيه هو الشهوة والرغبة بأن أريدها أن تعيش معي كزوجة، وأن تكون بجانبي ولا تفارقني، حيث أني أشعر بالحرمان الشديد من العاطفة قد يوصلني ذلك إلى حد الجنون.

فهل تنصحوني بالتقدم للزواج رغم طولي هذا وهو الـ130سم؟ مع العلم أن جسدي متناسق ولا يوجد به إعاقة أخرى، وما نصيحتكم لي؟

بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك في -أخي أحمد- في موقعك "إسلام ويب"، ونحن سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: لماذا الغضب؟ ولماذا حد الجنون؟ وماذا يقول من ولد مشلولا، أو ولد أعمى، أو ولد والسرطان ساكن جسده، أو ولد بمرض لا يعرف علاجه ولا يرجى الشفاء منه.

أحمد أخي: نحن عبيد الله، خلقنا ورزقنا وسوانا، بيده وحده الأمر كله، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، فإذا آمنا بذلك وسلمنا لله للأمر أخذنا الأجر، وصرف الله عنه الهم والغم الذي قد يصل إلى حد الجنون، وأبدلنا الله خيرا مما أردنا، وإذا اعترضنا -عياذا بالله- فلن يتغير من قدر الله شيء، ولن نحصل الأجر الذي هو غاية المؤمن، ولن نسعد بالحياة ، ولن نجد السكينة.

ثانيا: أخي أحمد: الهم الذي أصابك، والغم الذي أحاط بك؛ لون من ألوان الابتلاء، لا يخلو منه أحد، وقديما قيل:
ثمانية لا بـد منها على الفتى *** ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم واجتماع وفرقة *** وعسر ويسر ثم سقم وعافية

نعم –أخي- هي طبيعة الحياة، دار ابتلاد لا دار جزاء، دار امتحان لا دار نعيم، تلك هي طبيعتها ولا بد أن نتعايش معها على ذلك.
جبلت على كدر وأنت تريدها ... صفوا من الأقدار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة ... والمرء بينهما خيال سار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ... تبني الرجاء على شفير هار

والعاقل المؤمن ليس من ينظر إلى البلاء على أنه مصيبة، بل من ينظر إليه على أنه نعمة مع الصبر، وفيه من الخير أضعاف ما فيه من الشر لو تأملت، هذه النظرة وهذا الاحتساب يخفف عنك كثيرا من الآلام. فكم من ذنوب كفرها الله عنا بمثل البلاء، وقد قال بعض السلف: لولا مصائب الدنيا مع الاحتساب لوردنا القيامة مفاليس.

هذه النظرة الشرعية إذا استقرت في نفسك ستغير نفسيتك تماما، وسترطب قلبك، فالبلاء سيف من سيوف الله في الأرض يختبر به أهل الصلاح فيرفع درجاتهم، ويميز سبحانه الخبيث من الطيب قال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور} والمؤمن الصابر المحتسب هو من يتلقى البلاء برضا ويقين، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن كل بلاء عند الصبر عليه نعمة لصاحبه، قال -صلى الله عليه وسلم-: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكانت خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيرا له) كل حياته شكر أو صبر هكذا هو المسلم العاقل، يرضى دائما بقسمة الله له دون سخط عليه؛ لأنه لا يدري لو تغير حاله من حال إلى غيره هل يكون خيرا له أم لا؟ هكذا علمه القرآن: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} لذا هو مسلم لله فيما أمر، متوكل عليه فيما طلب، شاكر له فيما رزق، راض بما أصيب به من ضر أو عناء، وهو يدرك أنه مأجور في كل ذلك، هذه المعاني لا بد أن تصل إلى قلبك وعقلك؛ لأنه عامل هام جدا من عوامل تهدئة النفس عندكم.

ثالثا: لا يصلح مع البلاء إلا الرضا بالقضاء، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فعليه السخط، ولا يغير هذا من قدر الله شيئا، قال -صلى الله عليه وسلم-: (عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) فالابتلاء دليل عافية، ولذلك هو مصاحب لأهل الصلاح، وهذه حقيقة ذكرها نبينا -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى المرء على قدر دينه) وهو بهذا المعنى خير للمؤمن.

رابعا: آفة البلاء أن من فيه يظن أنه أكثر الناس بلاء، لأن الشيطان يصرف عنه كل نعيم هو فيه، فلا يرى إلا ما يضره، فمثلا الفقير لا يرى نعمة الله عليه في صحته أو في زوجه أو في أولاده وإنما ينظر إلى ربه من خلال فقره، وكذلك من ابتلي بالمرض لا ينظر إلى نعم الله عليه في الغنى أو الزوجة الصالحة أو الولد البار ويظل ينظر إلى الله من خلال مرضه، وهذا سوء أدب مع الله عز وجل، ولو فتشنا في حياتنا لوجدنا نعما كثيرا تناسيناها، لو أمعنا النظر فيها لعلمنا كم فضل الله علينا ونحن لا نشعر.

خامسا: ننصحك بقراءة بعض أحوال أهل البلاء، وكيف تعاملوا معه، اقرأ مثلا قصة أيوب -عليه السلام-، فهي من أروع القصص في الابتلاء التي تعينك على طاعة الله والصبر على ما أنت فيه، وكيف حال أيوب -عليه السلام- مع الله حتى في دعائه كان يقول: {رب إني مسني الضر} ووصف ربه بصفته {وأنت أرحم الراحمين} ثم لا يدعو بتغيير حاله صبرا على بلائه، ولا يقترح شيئا على ربه تأدبا معه وتوقيرا، فهو نموذج للعبد الصابر الذي لا يضيق صدره بالبلاء، ولا يتململ من الضر الذي تضرب به الأمثال في جميع العصور، بل إنه ليتحرج أن يطلب إلى ربه رفع البلاء عنه، فيدع الأمر كله إليه اطمئنانا إلى علمه بالحال وغناه عن السؤال، وفي اللحظة التي توجه فيها أيوب -عليه السلام- إلى ربه بهذه الثقة وبذلك الأدب كانت الاستجابة، وكانت الرحمة، وكانت نهاية الابتلاء قال تعالى: {فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم}، رفع عنه الضر في بدنه فإذا هو معافا صحيح، ورفع عنه الضر في أهله فعوضه عمن فقد منهم، ونحن نسأل الله أن يرفع عنك ما ألم بك عاجلا غير آجل، وأن يعوضك الخير.

سادسا: الانجذاب الذي تحدثت عنه، والرغبة في النساء، في كل امرأة، لا بد أن تفصل فيه بين أمرين:
1- بين رغبة في الزواج.
2- وبين شهوة تدفعك إلى ما حرم الله.

الرغبة في الزواج حق مشروع لك، لكن السير خلف هذه النزعات الشيطانية قد يجرك إلى ما حرم الله تعالى، نحن نريد منك ما يلي:
1- الإيمان بما مضى من نصائح لأنه يدفعك إلى الاستقرار النفسي، وفي ذات الوقت يقوي تدينك .
2- نريدك أن تقرأ في الكتب التي تتحدث عن الثقة بالنفس، وللدكتور إبراهيم الفقي كتابات كثيرة ومحاضرات جيدة كلها موجودة على الشبكة العنكبوتية.
3- نريدك أن تبحث جادا عن الزواج، وهناك من هم أقصر منك قامة وتزوجوا، فلا تقلق.
4- نريدك أن تكثر من الصيام حتى يتيسر لك الزواج.
5- من نعم الله عليك أن جسدك متناسق، وأنك لا تشكو إعاقة والحمد لله، ونحن نريد منك أن تحافظ على ذلك وأن تمارس بعض أنواع الرياضة.
وأخيرا: ثق في الله، وارض بقسم الله عليك، ومن رضي فله الرضى.

نسأل الله أن يحفظك ويرعاك، ونحن في انتظار رسالة منك تبشرنا بصلاح أمرك أو ما حدث معك، والله الموفق.
——————————————————————————
انتهت إجابة: د. أحمد المحمدي -مستشار شؤون أسرية-.
وتليها إجابة: د. علي أحمد التهامي.
——————————————————————————-

أولا: نسأل الله تعالى لك الصحة والعافية وأن يسهل لك أمر الزواج وأن يرزقك الزوجة الصالحة.

ثانيا: من الناحية النفسية نرى أنك حملت نفسك فوق طاقتها بالنظرة السلبية لذاتك، وضخمت صفة القصر وكأنها أسوأ صفات البشر، الأمر لا يستحق كل ذلك، و هذا الشعور ينبغي أن لا ينقصك سعادتك، فهناك الكثير من شعوب العالم سائدة عندهم صفة قصر القامة نساء ورجال، ولكنهم يعيشون حياتهم بكل ما يمتع ويسر وراضيين بوضعهم.

أما نظرت الآخرين لك وبالذات النساء فقد يكون تفسيرك لهذه النظرات تفسير خاطئ، وبنيته على أوهام وهواجس ذاتية لا علاقة لها بما يدور في أذهان الآخرين، وهذا التفكير السلبي هو الذي يسبب لك الضيق وعدم الارتياح.

فلا بد من تغيير المقاييس والمعايير التي تستخدمها أيها -الأخ الكريم- في تقييم نفسك وأهليتك للزواج، وأصح معيار لاختيار الزوج هو ما وضعه خير البشر عليه الصلاة والسلام (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ...) إلخ الحديث، فالمعيار ليس فيه صفة الطول أو القصر أو نحافة الجسم أو ضخامته.

أما ميلك تجاه الجنس الآخر فهذا أمر طبيعي ومن الفطرة السوية أن يميل كلا الجنسين للآخر، لكي يحدث التزاوج والتكاثر وتستمر الحياة وفقا للسنن الكونية.

فالإنسان لا شك يحتاج لمن يؤانسه ويدعمه ويحتويه ويشبع رغباته النفسية والاجتماعية ولا يتحقق ذلك إلا بالزواج الشرعي، كما في الآية الكريمة : {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ۚ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.

فقد تجد من يقدر صفاتك الجميلة الأخرى، وتكون هي الجاذبة للزواج دون الاهتمام بطول القامة، وتكونا من أسعد السعداء في حياتكما الزوجية، وليس ذلك على الله بعزيز.


مواد ذات صلة

الاستشارات