السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأساتذة الكرام بعد محاولات عدة للاتصال بكم، الحمد لله تيسر ذلك، أرجو أن تتسع صدوركم لرسالتي، وتعطوني الإجابة الدينية والنفسية الشافية الكافية.
منذ 8 سنوات وأنا أعيش في حالة سيئة جدا لا تطاق، وأعاني من الأفكار السلبية دائما في العقيدة وفي الحياة، وأيضا أعاني من القلق، والخوف، والرهاب، والوسواس القهري، مثلا: إذا اعتقدت أن أمرا ما حرام فلن تكف الأفكار عني حتى لو علمت أنه حلال ستبقى تراودني أفكار أنه حرام.
لقد تخليت عن الدراسة؛ لأن فيها مادة الفلسفة، وقرأت أنها حرام، ومثلا تمارين التنفس قرأت في موقع الشيخ محمد صالح المنجد بأنها حرام أيضا، والآن أنا أتنفس بصعوبة شديدة، هذه الأعراض منذ ثمان سنوات تكون شديدة أحيانا خاصة في الصيف، وأحيانا تكون خفيفة.
الآن حالتي أقل سوءا من السابق، ولكن لا زالت عندي أعراض مؤذية جدا كتسارع نبضات القلب،
وضيق الصدر، والقلق وفي الليل لا أنام إلا بشق الأنفس، ولا أستطيع القيام بتمارين التنفس، شعري امتلأ بالشيب، وجسمي نحيف جدا، وكأنني أتعاطى المخدرات، وحالتي النفسية سيئة، ولا أركز في شيء، ودائما ما أكون تعبان حتى وإن نمت وأستيقظت مبكرا، أريد أن أسألكم ما الحل لهذه المعضلة التي دمرتني وأرهقتني؟ وهل يجوز لي أداء تمارين التنفس والتأمل أو المديتيشن الموجود في الإنترنت وتلقين النفس بالكلمات الإيجابية عند النوم مثلا أقول سأنام وأبقى أرددها؟ أرجوكم إريد إجابة دينية، وعلاجا نفسيا بارك الله فيكم وعافاكم مما ابتلاني به.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ تميم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد، وأسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم القيام والصيام جميعا.
أيها الفاضل الكريم: أنت تعاني من أعراض ذات طابع وسواسي ولا شك في ذلك، والوسواس بالفعل - خاصة إذا كان ذا طابع ديني - يؤدي إلى إيلام الإنسان نفسيا، لأن الوساوس الدينية دائما تكون ملحة ومستحوذة، خاصة الإنسان إذا تنقل بين الفتاوى هنا وهناك، وسأل هنا وهناك، يحدث له نوع مما يمكن أن نسميه بالنزاع النفسي الداخلي، وهذه حقيقة مؤذية جدا للنفس.
ودائما نحن نقول أن الوساوس يجب أن تحقر، ويجب أن يتم تجاهلها، ولا يتم نقاشها أبدا، ويصرف الإنسان نفسه عنها بإدخال أفكار جديدة. كما أن حسن إدارة الوقت وتجنب الفراغ الذهني والفراغ الزمني له عائد إيجابي كبير جدا.
أخي الكريم: هذه الوساوس التي تعاني منها ذات طابع طبي، أي علاجها طبي، ومما ذكرته فيما يتعلق بنحافة جسدك ومعاناتك نفسيا، أعتقد أنك محتاج لعلاج دوائي، لأن الوساوس ومن شدة ما توقعه من ألم على النفس - خاصة النفوس الطيبة - تؤدي إلى شعور بالكدر الحقيقي، وهذا ربما يتعلق بكيمياء الدماغ، لذا نقول: يجب أن يصحح كيمياء الدماغ بيولوجيا - أي دوائيا - ولذلك أنصحك بتناول دواء رائع، دواء رائد جدا لعلاج مثل هذه الحالات، الدواء يسمى تجاريا (سيبرالكس) واسمه العلمي (اسيتالوبرام)، وهو غير إدماني، غير تعودي، مزيل للقلق، ومضاد للمخاوف، وكذلك يعالج الوساوس، وفائدته عظيمة جدا.
تبدأ في تناول السيبرالكس بجرعة نصف حبة - أي خمسة مليجرام من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام - هذه هي جرعة البداية، تتناولها لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها عشرة مليجرام يوميا لمدة شهر، ثم انتقل إلى الجرعة العلاجية بأن تتناول الدواء بجرعة عشرين مليجراما يوميا لمدة ثلاثة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة، بعد ذلك انتقل إلى جرعة الوقاية، وهي: عشرة مليجرام يوميا لمدة شهرين، ثم إلى جرعة التوقف بأن تجعل الجرعة: خمسة مليجرام يوميا لمدة شهر، ثم خمسة مليجرام يوما بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول الدواء.
هذا بالنسبة للدواء، وأنا متأكد أنه سوف يفيدك كثيرا، وسوف يسهل عليك التطبيقات السلوكية، ومن التطبيقات السلوكية: رفض الأفكار، وحسن إدارة الوقت، واستبدال الفكر الوسواسي بفكر إيجابي، وقطعا التمارين الاسترخائية مفيدة جدا، تمارين التنفس والتأمل، هذه مفيدة جدا، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها. تمارين الشهيق والزفير، ثم حبس الهواء في الصدر ثم إخراجه بكل قوة وبطئ، وتمارين قبض وشد العضلات ثم إرخائها، ويمكن أثناء تلك التمارين أن تستمع إلى تسجيل للقرآن الكريم بصوت شيخ تحب الاستماع له بصوت خافت، استمع لقارئك المفضل، وهذا إن شاء الله تعالى يؤدي إلى انسيابية في التفكير، يكون التفكير جميل جدا والاسترخاء طيب جدا، وأنا أعرف من يدخلون في النوم حين يطبقون هذه التمارين بصورة صحيحة.
أخي: أوصيك بالحرص على واجباتك الاجتماعية، لا تتخلف عن أي واجب اجتماعي، شارك الناس في أفراحهم وأتراحهم، وعليك أيضا بصلة الرحم، كن بارا بوالديك، مارس الرياضة، أنت في عمر حقيقة الرياضة ستفيدك كثيرا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
----------------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم......استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها الشيخ/ أحمد الفودعي.......مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
----------------------------------------------------------------------------
مرحبا بك -ابننا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نرحب بك ونشكر لك تواصلك معنا، وصدورنا مفتوحة لك في كل ساعة، ونسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل مكروه، وأن يصرف عنك كل شر.
وما تعانيه - أيها الحبيب - من الوساوس نحن ندلك على الجانب الديني منه أولا، وقد طلبت الإجابة الدينية والنفسية، فنتكلم عن الجانب الديني أولا، أما الجانب النفسي فسيفيدك الأطباء النفسيون بما ينفعك إن شاء الله تعالى.
من الناحية الدينية - أيها الحبيب -: هذه الوساوس وساوس شيطانية لا حقيقة لها، قد يكون مصدرها خللا في جسمك، وقد يكون مصدرها الشياطين، ولكنها لا تؤثر على دينك، ولا تضرك في إسلامك، والواجب عليك أن تأخذ بالأسباب للتخلص منها، فإنه شر مستطير، والله تعالى حذرنا من متابعة خطوات الشيطان فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان}، فلا يرضى بها الله، ولا يحاول الشيطان أن يزينها لك بأنها خوف على الدين واحتياط له، وغير ذلك.
الله تعالى لا يريد أبدا أن تكون في ضيق وحرج، {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج}، هكذا قال الله في كتابه، وقال: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}، وقال: {يريد الله أن يخفف عنكم}، وهذه الوساوس لا تزيدك إلا شدة وحرجا وضيقا، ولهذا لا يرضاها الله ولا يحبها.
فإذا أيقنت بهذه الحقيقة فإن هذا سيدفعك ويشجعك على الأخذ بالنصائح التي تسدى إليك للتخلص منها، وهناك نصائح نبوية قالها أصدق البشر عليه الصلاة والسلام، فإذا جاهدت نفسك في الأخذ بها فإنك ستنجو بإذن الله تعالى من شر هذه الوساوس، وهذه النصائح تتلخص في أمور ثلاثة، والأطباء النفسانيون يوافقون عليها أيضا:
أولها: تحقير هذه الوساوس وعدم الاشتغال بها، وهذا يدفعك إليه ما سبق الكلام عنه من أنك تعرف مصدرها وحقارتها، وأن الله تعالى لا يرضاها ولا يحبها. فإذا حقرتها وأهملتها فإنها ستخف عنك بالتدريج إلى أن تزول بإذن الله، وهذه الوصية قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (فليستعذ بالله ولينته)، الانتهاء عنها وعدم التفاعل معها.
والوصية الثانية: الاستعاذة بالله عندما تهاجمك هذه الوساوس، فالجأ إلى الله تعالى ليحميك من شرها ومن شر الشيطان.
الوصية الثالثة: الإكثار من ذكر الله عموما وقراءة القرآن خصوصا، فإن الشياطين تنفر من الإنسان الذي يقرأ القرآن ويذكر الله، وذكر الله حصن حصين يتحصن به الإنسان المسلم.
ومع هذا الجانب الروحي الإيماني في معالجة هذه الوساوس ينبغي أن تأخذ بالأسباب الحسية، فتطلب الدواء لهذا الداء لدى المختصين من الأطباء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء)، وقال: (تداووا عباد الله)، فاجمع بين الأمرين وسينجيك الله تعالى من شر هذه الوساوس.
وأما ما ذكرت من أنك قرأت في موقع الشيخ المنجد أن تمارين التنفس حرام؛ فبلا شك أنك قرأت شيئا غير المقصود الذي فهمته أنت، فربما كان الشيخ المنجد - وليس ربما بل هو المتيقن - أنه يتكلم عن طقوس دينية يمارسها بعض الديانات قائمة على التنفس بطريقة معينة والتوجه بعبادات وطقوس نحو آلهتهم ومعبوداتهم، وهذا مما لا يجوز للمسلم أن يفعله لأنه تشبه بهم في خصائص دينهم، وليس المقصود ما فهمته أنت.
فنسأل الله تعالى أن يصرف عنك شر هذه الوساوس.