أنا في حيرة من أمري بسبب منع أمي من الاستمرار في الفضفضة

0 25

السؤال

السلام عليكم.

توفي والدي -رحمه الله- منذ 25 عاما، كنت أكبر الأبناء كان عمري 21 عاما، وأصغرنا عمره كان 5 سنوات، وكانت علاقتنا به قوية جدا، ونحبه بشدة، ولا نذكره إلا بالخير، فكان الجميع عندما يسمعنا نتحدث عنه يكون فكرة مشرقة من حديثنا ذاك فكان ذكره طيبا جدا عند الجميع، ولم يكن أحد يذكره بسوء، ولم نكن نسمح لأحد بذلك.

والدتي كذلك لم تكن تذكره إلا بالخير، وتترحم عليه دائما، وتخرج عنه صدقة باستمرار وما زالت.

ويشهد الله أن والدتي لم تتحدث عنه أمامنا بالسوء أبدا ونحن صغار، وطوال السنوات السابقة وأبي لم يكن يعامل أمي أمامنا إلا بالخير، لدرجة أن فكرتي عن الزواج والعائلة والزوج كانت وردية ومشرقة جدا ومثالية (وربما غير واقعية)! لأني لم أكن أرى وأسمع سوى هذا.

المهم في آخر حوالي 5 أو 7 سنوات أي عندما كبر الجميع ونضج، وأصبحنا نميز الصحيح من الخاطئ بدأت أمي تخبرنا بعض الأشياء السيئة أو غير المقبولة عن أبي، والتي لم نكن نعرفها سابقا، وربما هي أمور تحدث في كل منزل وخلف كل باب مغلق، ولكن لأن صورتنا عن والدي كانت مثالية نوعا ما، فقد ساءنا الأمر، وهذه الأمور كانت تضايق أمي، كبعض التعامل السيئ بحقها من والدي، وتفريطه ببعض حقوقها، وعدم وقوفه بجانبها عندما كان أهله يضايقوها، وبيع ذهبها، وعدم تعاونه معها في تربيتنا ونحن صغار، ورمي كلام غير لائق لها، وعدم سماحه لها بالسفر إلى أهلها (ربما لعدم مقدرته المادية لا أدري) (وهي مغتربة ومن دولة أخرى)، وعدم أخذه لرأيها في أمور كثيرة، وعدم سماحه لها بتسميتنا عند الولادة...وهلم جرا.

كان ذلك يسوؤنا كثيرا، وربما كان جميع إخوتي يقلب على والدتي ويلومها حتى لا تتحدث عنه هكذا، حتى انفجرت بنا ذات مرة، بأنها لم تكن تتحدث أبدا، وأنها تعبت، وأننا نلومها هي، وأنها تريد نصحنا وتوعيتنا، وهي على حق في ذلك (علما أن والدتي تبلغ الآن من العمر 75 عاما، ولم تبدأ بالحديث بهذه الطريقة سوى في نهاية الستينات تقريبا، حتى أخبرتنا يوما أختي الكبيرة بأن أمي بقيت صامتة ومتحملة كل شيء طوال عمرها لوحدها، ولم يكن هناك أحد من أهلها كأمها أو أختها لتفضفض معه وتريح نفسها كما في أيامنا هذه، ولم تكن تخبرنا بشيء، حتى لا تشوه صورة والدي أو يتحدث عنه أحد بسوء، فدعوها تفضفض لنا، ومن حقها أن تقول ما عانت؛ لأنه يبدو أن هذه الأمور تركت شرخا في نفسها.

بدأنا نعتاد ونسمعها ونتركها تتحدث براحتها، وحتى نخفف عليها، حتى تطور الأمر وبدأ الحديث أمام الأقارب والجيران، أعلم أن أمي نيتها كانت طيبة وهي كانت تقلد الجميع فقط، وعندما تسمعهم يتحدثون، تتحدث مثلهم لا أكثر وتفضفض، وجميع ما تقوله أخف بمائة مرة مما يقوله الآخرون، وربما يحدث بين أي اثنين في الحياة الزوجية، ولكن بعض الناس خبيثي النوايا، ومنهم من بدأ يعيرنا، ومنهم من أصبح يقول وأبوك كان هكذا، نحن رضينا أن تتحدث أمي أمامنا عنه، وليس أمام الآخرين.

كنا نحلم كثيرا جدا بأبي وبكل شيء، وكان يزورنا باستمرار في أحلامنا، في آخر سنوات، أصبحنا لا نحلم به إلا نادرا، وقد قرأت في مرة، أن ذكر مساوئ الميت، سبب في عدم رؤية أهله له في المنام (مع العلم، أننا دوما ندعوا له، ونتصدق باستمرار، والغريب أن أمي على الرغم من كل ما تقول، أكثر من يدعو له ويتصدق عنه) وقد قرأت أيضا أن هذه الفضفضة من والدتي، قد تعتبر غيبة للميت، وهي من أشد الذنوب.

المهم أني أشتاق كثيرا لوالدي وكذلك أخي وأخواتي، وجميعنا نتمنى أن نحلم به، شعرت أن من واجبي تجاه والدتي، ومن بري بوالدي، أن أعاود وأنصح أمي بهذا الأمر، تحدثت بيني وبينها، ولم أمسك نفسي، وبكيت وأنا أتحدث، تحدثت بلين طبعا، وأخبرتها أن هناك من بدأ يعيرنا، وأن أبي لم يعد يزورنا بالمنام، وأنه إذا أردتي أن تفرغي ما بداخلك، أخبرينا نحن وليس الأقارب والجيران، فتضايقت جدا منهم وقالت لا أسامح من يتحدث عنه، وأنا لم أكن أقصد شيئا، ولن أعاود الحديث عنه.

ولكن أنا أشعر بضيق داخلي شديد بعد حديثي معها، خوفا من أن أكون قد منعتها من الفضفضة، وأن ترمي بداخلها وتمرض، وهي لها الحق الأكبر علينا بالتربية والتحمل وكل شيء بعد وفاة والدي وفي حياته، وأشعر أني جعلتها في موقف المبرر، أي أنها أصبحت في كل وقت تأتي وتقول لي هذه صدقة عن روح أبوك وهكذا، لا أريدها أن تحزن، لقد تعبت كثيرا بحياتها وما زالت، وهي كبيرة ومغتربة ومريضة، ولكن من بري بوالدي نصحتها فقط، أنا في حيرة وخنقة، أريحوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم أيهم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك في استشارات إسلام ويب أختنا العزيزة، نسأل الله تعالى لك مزيدا من التوفيق والهداية وبر الوالدين، كما نسأل الله تعالى أن يرحم والدك ويسكنه فسيح جناته، وأن يرحم موتانا جميعا وموتى المسلمين.

ونشكر لك - ابنتنا العزيزة - حرصك على بر أمك والإحسان إليها، وإدخال السرور إلى قلبها، وهذا لا شك أنه من أعظم الأعمال الصالحة التي تقربك إلى الله تعالى، فإن حق الوالدين بعد حق الله تعالى، وقد قرنه الله تعالى بحقه في كتابه، وحق الأم أعظم الحقين، فلها ثلاثة أرباع البر، كما جاء في الحديث.

ومن ثم فنحن نشجعك أولا على الاستمرار في هذا السلوك، وهو الحرص والمبالغة في إدخال السرور على قلب أمك بكل ما يدخل السرور إلى قلبها من الأقوال والأفعال، في غير معصية الله تعالى، فهذا هو البر.

وأما نهيك لها عن ذكر مساوئ والدك، فأنت مصيبة في ذلك، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن ذكر الأموات بمساوئهم بعد موتهم، إذا كان هذا الذكر لغير مصلحة شرعية، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا مات صاحبكم فدعوه، ولا تقعوا فيه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم).

فالأفضل للإنسان، بل الذي يتعين عليه هو أن يتجنب ذكر الأموات إلا بخير، ونقصد بالأموات هنا موت المسلمين الذين لم يشتهروا بنفاق، ولم يجاهروا بمعصية.

ويجوز أحيانا ذكر الأعمال السيئة التي عملها الميت إذا ترتب على هذا الذكر مصلحة، يعني: كأن يحذر الإنسان الأحياء من شر فيضطر في هذا التحذير إلى ذكر الميت وما كان يفعله من شر، فهذا ذكر للمصلحة؛ فيجوز.

والذي بدا لنا وظهر لنا من سؤالك أن ما كان من والدك ليس من هذا القبيل، فنهيك لأمك عن ذكر أبيك بالمساوئ هو من البر بها أيضا، فهي بحاجة إلى التذكير بأن تجتنب ما يضرها، ولكن هذا النهي لابد أيضا فيه من الأدب والبر، بحيث لا تغضب، فتنهينها أنت بلطف ولين ورفق كما فعلت - بارك الله فيك - فإذا رأيتها غضبت فاسكتي.

وظهر لنا أن أمك أيضا حريصة على تجنب هذا الفعل بعد تذكيرك لها، وهذا من توفيق الله تعالى لها.

ولا تشجعيها على أن تذكري والدك بالمساوئ ولو أمامكم أنتم ما دام لا يترتب على ذلك مصلحة، فالأحسن لها أن تسكت.

وينبغي أن تذكريها أنت دائما بأجر الصبر والعفو عن الناس، وأن الله سبحانه وتعالى يثيب العافي والمسامح، وأن من غفر للناس غفر الله له، ومن سامح الناس سامحه الله، ومن عفى عنهم عفى الله تعالى عنه. وهذا كله قد ورد في أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا النوع من التذكير ما يسليها ويذهب عن قلبها الألم الذي تجده بسبب ما وجدته في حياة والدك، فإذا شعرت بأن الله سبحانه وتعالى يثيبها على كل ذلك ويجزيها خيرا ويمتعها بأنواع السعادة؛ فإنها ستنسى هذا الألم، وبهذا سيحصل الخير الذي ترجينه أنت.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات