نصائح لفتاة عكر صفو حياتها وكدرها الخلاف الدائم بين والديها.

0 619

السؤال

السلام عليكم..


والله إنكم تستحقون كل الخير والثواب، فأنتم دائما الملجأ الخير الذي نلجأ له دائما بعد الله عز وجل؛ لما نراه من سعة الصدر والآراء السديدة والحكيمة.

لا أدري من أين أبدا، ولكن اسمحوا لي أن أشرح لكم طفولتي والتي قد تفسر ما أنا فيه الآن.

منذ طفولتي وأنا أعاني من مشاكل وخلافات دائمة بين أبي وأمي، وأنا أكبر أخواتي من البنات، فعاشرتهم أكثر، وأخي الكبير بحكم أنه ولد كان دائما في الخارج، للآن وصورهم في مخيلتي، لا أستطيع نسيان ما كانوا يفعلوه، وكأن الأحداث كانت البارحة، فقد كانت مشاجراتهم على كل شيء في الصغيرة والكبيرة، وتصل إلى حد الضرب والسب والشتم، وحتى وصلت المرحلة إلى أن والدتي رفعت السكين على أبي، وغيرها من مواقف ما زالت خالدة في حياتي وكانت عصبية أبي الدور الأكبر لهذه الخلافات.

بالرغم أن والدي متعلمان ومحترمان من قبل الجميع دون استثناء، ولكن عنصر الاحترام والتفاهم بينهما مفقود، وهذا أدى إلى قلة الاحترام بين إخواني، ولا أنكر بأن الخلافات بينهما الآن قلت، بسبب أنهما كبرا، ونحن أيضا لم نعد نحتمل تعب الأعصاب والنفسيات المحطمة بسببهما، ولكن ما الفائدة؟

لقد فقدنا عنصر الاحترام بيننا نحن الإخوة، وصرنا لا يحتمل كل منا الآخر، وأنا تحديدا أكثر الإخوة من الناحية النفسية تأثرا، فأنا بكيت ليالي طوال على ما نحن فيه دائما.

كنت أحلم بالأسرة الهادئة والقوية، والتي تتبع تعاليم دينها الحنيف في تعاملاتنا، والتفاهم الجميل بين الجميع، فالآن وصلت نفسيتي إلى مرحلة الخوف الدائم من الغد.

ويبقى في هاجسي أنه سوف تحدث مشكلة اليوم، وإذا لم يكن اليوم فغدا، ودائما قلقة من الجو، الهدوء الذي قد يخيم على حياتنا لساعات فلابد من العاصفة بعد هذا الهدوء.

قد أكون بالغت من موقفي، لكن والله هذا ما أنا فيه، حتى بت لا أطيق الصوت العالي أبدا، يقشعر بدني إذا سمعت أحدا يصرخ، أو شيئا انكسر في المنزل، أخاف كثيرا، ويهز بدني، حتى إني أخاف من الضحك والمزاح مع بعضنا، مع أني أشاركهم، لكن داخلي حزين وكئيب، وخوفي أن تأتي مشكلة تحدث من بعد الفرحة؛ لأنه كثيرا ما ينقلب الفرح بكاء بسب خلاف أحد إخوتي مع أمي كالعادة، أو مع بعضهم، أو مع أبي وأمي.

فهذه الحياة التي اعتدت عليها، لا جديد، ووصلت المرحلة بي أني أخاف من فصل الشتاء، ومن الأيام التي تعم بالغيوم، فعندما أرى الجو غائما نفسيتي كلها تختلف وأكتئب باختلاف الجو، والله لا أبالغ، وأتجه لله تعالى بالدعاء لهم جميعا بالهداية، وأن يرزقني زوجا صالحا لأبني أسرة يملؤها الحب والتفاهم والاحترام الدائم.

والله! ما عدت أحتمل، فأنا أقضيها مصالحة بين الجميع، قد تقول لي: تحدثي معهم وأنا أشكي لهم همومي، والله فعلت ومع الجميع ولكن لا فائدة، كما يقولون: (كل واحد يغني على ليلاه) وأنا ماذا؟
سرت أكرههم، الجميع حولوا حياتي إلى رعب وخوف واكتئاب من كل شيء، بالرغم أن أبي وأمي حنونان علينا كثيرا، ولكن حنان بلا أمان، ما الفائدة.

كم أتمنى أن أتركهم جميعا وأرحل عنهم بعيدا.

أرجو معذرتي للإطالة، ولكن حاولت أن أشرح وضعي النفسي والعائلي، ما رأيكم بما قلت؟ وكيف أستطيع أن أبعد هذه النفسية التشاؤمية التي أصبحت عالمي الجديد؟ بالرغم أني أحاول لكن وجدت الحل الوحيد أن أدعو الله تعالى، وأن أنتظر النصيب لأبدأ الحياة الجديدة.



الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Loreen حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله العظيم أن يلهمك الصواب، وأن يتوب عليك إنه التواب، وأن يرزقنا التمسك بدينه وحفظ الكتاب، وأن يرسل إلى داركم صالحي الخطاب.

فهنيئا لمن تعتقد أن الحل هو في اللجوء إلى الله، والدعاء هو جماع الخيرات وهو مخ العبادة، بل الدعاء هو العبادة، ومن الذي لجأ إلى الله بصدق ولم ينل المراد أو يسعد بدعائه في الدنيا ويوم المعاد؟! وتلك عادة الله مع من يتوجه إليه، وقد قال نبي الله زكريا عليه وعلى نبينا صلاة الله وسلامه: (( ولم أكن بدعائك رب شقيا))[مريم:4]، وما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم أو قطعية رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يستجيب الله دعوته، وإما أن يدخر له من الأجر، وإما أن يصرف عنه من البلاء مثلها.

فاستقبلي الحياة بأمل جديد، وسبحي بحمد ربك المجيد، واشكري ما أولاك من نعم وسوف تنالين بشكرك المزيد، وإذا تذكر الإنسان لذة الثواب نسي ما يجد من آلام، وإذا تذكر مصائب الآخرين هانت عليه مصيبته، وأرجو أن تعلمي أنه لا يخلو منزل من أزمات ومشكلات، لكن الفرق في التعامل معها، وأرجو أن تأخذ كل مشكلة حجمها، وأن تحل في إطارها الزماني والمكاني، ولا تحزني على ما فات ولا تخافي مما هو آت، واعلمي أن كثيرا من المناوشات سوف تصبح غدا جزءا من الذكريات، فلا تزيدي مساحة الهموم، وقد أحسن الخليل بن أحمد عندما قال: (إني لأغلق بابي، فلا يتجاوزه همي).

وإذا كان كل من الأم والأب يحنو عليكم فإن الأمر هين والعلاج بتوفيق الله سهل، وإذا تذكرنا الإيجابيات وركزنا على الحسنات سهل علينا محاصرة السيئات وعلاج السلبيات.

وأنت -ولله الحمد- في سن ووعي يسمح لك بالتدخل بلطف وإشاعة الخير بين والديك، وإظهار الآثار السالبة للمخاصمات والمشاكسات عليك وعلى إخوانك، وذكري الجميع بالله وحرضيهم على ذكره وتلاوة كتابه حتى تخرج الشياطين؛ فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة بيت لا يدخله شيطان، وأما بيوت الغافلين فإن الشياطين تعشعش فيها وتشعل فيها نيران العداوة والبغضاء، وهذا هو عمل الشيطان الذي يفرح بوقوع الخصام والطلاق، ويلتزم من يفعل ذلك جند الشيطان.

وليس من الصواب أن تكرهي أهلك، ولكن أرجو أن تواصلي جهودك في الإصلاح، واعلمي أن المستقبل بيد القدير الفتاح، وأن مهمتنا هي عبادته وطاعته التي توصل إلى كل فلاح ونجاح.

واعلمي أن البيوت تصلح بالطاعة وتخرب بالمعاصي، فإن للمعاصي شؤمها وآثارها، فحرضي أهل المنزل على الصلاة والتوبة والاستغفار، ونحن ننصحك بأن تأخذي راحة جسدية، وأن ترتبطي بمراكز علمية شرعية، وأن تبحثي عن رفقة من الصالحات مرضية، وأن تتوكلي على رب البرية، وأن توقني أن حمل الهموم وتذكر المآسي لا يحل القضية.

والإسلام يحب الفال الحسن ويكره التشاؤم، وعلمي نفسك النظرة المتفائلة، وابتعدي عن مجالسة السلبيات العاجزات، واعلمي أن لحظة الصباح تأتي بعد أشد لحظات الليل ظلمة، وأن بعد العسر يسرا، واخلعي هذه النظارة السوداء، وابتسمي لتشاركك الدنيا في الابتسامة، وأكثري من تكرار دعوة نبي الله يونس عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وهي الواردة في قوله تعالى: (( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين))[الأنبياء:87]، فإن فيها علاجا للهم والغم.

ونسأل الله أن يغفر ذنبك وأن يسهل أمرك.

والله الموفق.



مواد ذات صلة

الاستشارات