السؤال
السلام عليكم.
جزاكم الله خيرا وأسكنكم الفردوس أيها الأحبة، وأتمنى منكم جوابا شافيا لي.
أشعر بضيق في الصدر وخصوصا المريء, أشعر أن المريء عندي أحيانا يصيبه اضطراب أو تشنج خصوصا في أوقات التوتر والحزن، أو الغضب، أو عندما أشد على نفسي وأفعل مجهودا, مما يسبب لي خوفا ثم صداعا ودوخة, ذهبت إلى أطباء العيون، والأذن، والباطنية فأخبروني أنه لا يوجد شيء، وأنه عارض نفسي, وقمت بعمل فحوصات حديد وأخبروني أنه جيد.
الذي يقلقني أنني مررت بفترات صعبة، ولكن لم أصل إلى هذا الحد من هذا الإرهاق والتعب, هل هذا سببه تراكم الهموم على قلبي؟
أنا قبل فترة أصابتني بعض المشاكل، وكانت متتالية، بدأت بأنني خسرت مشروعي الذي كان مصدر رزقي مما سبب لي حزنا شديدا، وتعرضت للخيانة من فتاة كنت أحبها وأريدها بالحلال، فيما سبب لي صدمة أنها تركتني هكذا، فأصابني تعب نفسي شديد، وللأسف عندما أشعر بالضغط الشديد أهرب إلى العادة السرية وأمارسها إلى درجة أتجاوز فيها عشرات المرات يوميا للأسف.
أنا إنسان كتوم، ولا أحب التحدث عن مشاكلي؛ لأسباب عدة منها أنا أكبر شخص بين إخوتي لذلك دائما ما أحاول أن أظهر أمام عائلتي بمظهر الإنسان القوي وخصوصا أمام أبي وأمي؛ لأنهما كبيران في السن فلا أحب أن يرونني حزينا، لكن بكل صدق أنا من داخل منهك بكل معنى الكلمة, السبب الثاني هو أن لي أصدقاء ولكن للأسف لا يوجد بينهم شخص واحد يفهمني أو على الأقل يساعدني بشكل فعلي وليس مجرد كلام, لأن لا أحدا منهم يمر بنفس الضغط المادي أو المسؤولية التي أنا أمر بها.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ahmad حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
اعلم أخي الكريم أن المشاعر رغم كونها شيئا معنويا، إلا أنها تتمتع بخاصية مادية، وهي تأثرها بالإهلاك مع مرور الوقت -لا سيما مع الأشخاص العاطفيين- فمع تعدد الصدمات في حياة الإنسان الناتجة عن علاقاته الشخصية أو الأحداث المحيطة به؛ تصبح مشاعره مستهلكة، وهذا الاستهلاك يؤدي بالإنسان إلى ظهور عوارض جسدية ناتجة عن ذلك الاستهلاك الشديد لعاطفته.
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (أحبب حبيبك هونا ما؛ عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما؛ عسى أن يكون حبيبك يوما ما)، وفي هذا التوجيه النبوي، تدرك أهمية ترويض النفس على إحكام المشاعر والسيطرة عليها؛ كي لا تنفلت منه في الأحداث والعلاقات.
ومن الأشياء التي تثلج صدرك وتعينك على عدم استهلاك مشاعرك، هي الرضا بقضاء الله وقدره، فذلك المشروع الذي خسرت وتلك الفتاة التي تركتك، كل هذا من قدر الله لك، وإذا رضيت بقدر الله أرضاك الله وعوضك خيرا بإذن الله. فالرضا بالمكتوب هو أفضل علاج نفسي للرضا وترويض سخط النفس.
كل تلك الأمور تعينك على ما تبقى داخلك من مشاعر، ولا تزيد الضغط على أعصابك، فغير نمط تفكيرك، وانظر إلى الدنيا والابتلاءات فيها بمنظور آخر، وارتدي نظارات الرضا بالمقسوم تذهب وحر صدرك وتطفئ غضب نفسك المتسخطة.
أما نصيحتي لك الطبية فهي زيارة طبيب نفسي، فلعل كل تلك العوارض التي اشتكيت منها هي بسبب الإشكال النفسي، فعالج جذر المشكلة ولا تعالج عوارضها.
-------------------------------------------------------------
انتهت إجابة أ/ عبد الرحمن محمد ضاحي................ المستشار الأسري والتربوي
وتليها إجابة د/ مأمون مبيض..........استشاري الطب النفسي.
------------------------------------------------------------
نرحب بك أخي الفاضل بتواصلك معنا عبر الشبكة الإسلامية.
إن ما وصفت من أعراض دعتك لزيارة الأطباء إنما هي أعراض للقلق وللتوتر وللحزن، وكما تعلم هذه المشاعر ربما تنعكس من خلال ثلاثة جوانب أو ثلاثة أعراض، نسميها عادة بـ (ثلاثي الاتجاه) أو بـ (بيوسيكوسوشيال Biopsychosocial Approach) الجانب الطبي البدني، والجانب النفسي، والجانب الاجتماعي.
أما الأعراض البدنية الطبية فتتجلى من خلال بعض الصعوبات البدنية، وخاصة الجهاز الهضمي، بحيث ذكرت ما تشعر به في قضية المريء. هذه الأعراض البدنية قد تكون أحيانا صداع، أو غثيان، أو آلام، أو تعب عام، ... إلى آخره.
أما الأعراض النفسية فهي شيء من الحزن، والإحباط، وخيبة الأمل، وربما قد يصل إلى الاكتئاب، وعدم الرغبة بفعل أي شيء.
أما الجانب الاجتماعي فتجنب الناس، وعدم الرغبة في حضور الأنشطة الاجتماعية المخلفة.
كل هذا يفسره التحديات التي مررت بها، وقد ذكرت أنها كانت متتابعة، ومنها – على سبيل المثال – أنك خسرت مشروعك التجاري، والذي كان مصدر رزقك، ثم ما وصفته من خيانة الفتاة التي كنت تنوي الزواج بها، وانتهاء هذه العلاقة، وأيضا من قيام دورك برعاية أسرتك – إخوانك الأصغر – ورعاية والديك الكبيرين، لا شك هذا أيضا يضعك تحت ضغط نفسي غير قليل، وخاصة أنك – كما ذكرت – تحب أن تظهر مظهر الإنسان القوي.
أنا أنصحك بأن لا تحاول لبس هذا القناع بالرغم من أن والداك كبيرين، إلا أن خبرتهما في الحياة تعينهما على تحمل رؤيتك بما تشعر به، وربما يفيد أن تشاركهما بعض مشاعرك، فهذا لن يؤذيهما بإذن الله، بالعكس قد يقولان لك كلاما يفيدك ويخفف عنك. أما التظاهر فقد لا يطول وقد ينكشف القناع لوقت أو آخر.
الأمر الآخر هو أنه: نعم ربما أصدقاؤك لا يمرون بمثل ظروفك كما ذكرت، وليس هذا هو المطلوب، ولكن أكيد لديهم ظروفهم الخاصة، وهذا حال كل الناس، فكل له ظروفه وتفاصيل حياته وضغوطاته النفسية والأسرية والاقتصادية والاجتماعية، وخاصة في هذه الأوقات التي لم نخرج فيها بعد من أزمة الكورونا، وما سببته من ضائقة نفسية واقتصادية واجتماعية.
ومع ذلك تفيد محاولة التواصل مع أصدقائك مما يخفف عنك بعض ما تعاني منه.
هذا ما لدي، وأنصحك في أن تفكر في هذه النقاط التي ذكرتها، وربما تحتاج إلى من تفضفض له ببعض صعوباتك ومشاعرك، فهذا نصف العلاج، سواء كان أحد من أسرتك، أو صديق لك، أو كليهما معا، فهذا يخفف عنك جدا، وربما يعطيك توجها إلى ما هو المطلوب عمله.
إذا زادت المعاناة أو استمرت فيمكنك زيارة أحد الأطباء النفسيين عندكم في الأردن، وهناك أناس فضلاء، وإن كنت أشعر أنك قد تستطيع تجاوز كل هذا من دون زيارة الطبيب النفسي، وإنما من خلال ترتيب أولويات حياتك، وحرصك على العلاقات الاجتماعية الطيبة، والنشاط الرياضي، والنوم المناسب، والتغذية الصحية المناسبة.
أدعوه تعالى أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، ويجزيك خيرا على رعاية والديك وعلى برك لهما، وأذكرك بقوله تعالى: {وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا .. واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.