السؤال
السلام عليكم.
اطلعت مرة في أحد الكتب على طبيعة العلاقات بين الجنسين في عهد الصحابة، فهمت إنه كان يتسنى لأحدهم أن يكن المشاعر لإحداهن، ثم ينتهي ذلك بما يرضي الله، أي الزواج عن حب، كما أن التعامل بين النساء والرجال كان مباحا بشروط ولأغراض، يقال: العلاقة بين الجنسين لغير الضرورة غير مستحبة.
لا يخفى أن القلوب بيد الله، إلا أن الإنسان معرض لغلبة المشاعر وفلتة الخواطر، والدفع ليس بالأمر الهين، إن كان المرء يتعامل مع المرأة باحترام، ولا يخفي حقيقة نواياه الحسنة ومشاعره الطيبة اتجاهها، وكان الطرفان على قبول ورضا. هل يبيح ذلك التواصل فيما بينهما في إطار المدة التي يستثمرها كلامها في تحقيق استقلاليته وتكوين ذاته؟ وهل يكون هذا منافيا لحكم الله، وما شرعه الإسلام؟
متى يجدر بالإنسان المبادرة في إخلاء سبيل الطرف الثاني حفاظا عليه؟ كيف تبنى العلاقات الحلال؟ نشهد نفورا من الزواج التقليدي ما يضع شرط التعارف أساسا يقوم عليه انتقاء شريك الحياة، هل المشاعر تجاوز للحدود، والتعلق معصية للخالق، والتحدث بين الفتى والفتاة انتهاك للحرمة؟ يرجى نفي الاعتقاد في السلوكيات غير المباحة، والكلام غير المعقول.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يخلصنا من نوازع الهوى، وأن يسلمنا لأحكام الوحي إيمانا وانقيادا، وأن يبارك فيك، وأن يحفظك من كل مكروه وسوء.
أختنا الفاضلة: لا بد من تحديد وتوضيح الحب قبل الزواج بطريقة لا شبهة فيها، لأن فيه الإجابة على كل التساؤلات المطروحة من قبلك.
اعلمي -أيتها المباركة- أن المستند لمن قال بالجواز -نعني جواز الحب قبل الزواج- حديث رواه ابن ماجه وصححه الألباني بلفظ "لم ير للمتحابين مثل النكاح" ورواه البيهقي بلفظ: "ما رأيت للمتحابين مثل النكاح"، لكن البعض ذهب بعيدا عن مراد الحديث، حتى جعل الكلام قبل الزواج والتعرف عليها والخروج معها من هذا القبيل، وهذا خلل في الفهم بعيد، فمعنى الحديث كما ذكر أهل العلم: أن الرجل إذا نظر إلى المرأة فأحبها، أو سمع عن امرأة ما أورثه حبها من دين وأخلاق وصلاح أو حتى جمال، فإن علاج ذلك يكون بالزواج.
وعليه فالحب قبل الزواج ينقسم إلى قسمين:
1- حب لا كسب للإنسان فيه، كأن يسمع بامرأة أو يراها، أو تسمع هي برجل أو تراه فجأة فيتعلق القلب، فبادر بخطبتها بعد أن سأل واستشار واستخار، فهذا مأجور صاحبه.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "إذا حصل العشق بسبب غير محظور، لم يلم عليه صاحبه، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له، فهذا لا يلام على ذلك، وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره، على أن عليه مدافعته وصرفه ".
2- حب واقع باختيار وكسب: كمن يتساهل في النظر إلى النساء، أو الحديث أو المراسلة أو التتبع، فهذا لا يبيحه الإسلام ولا يرضاه، ولو كان العنوان الأصلي الحلال، لأن الغاية الصالحة لا تبرر الوسيلة الفاسدة.
وعليه فالمحرم ليس في المشاعر، ولا في الحب الذي أتى من غير كسب، ولا في تمنى الزواج من شخص بعينه لدينه أو خلقه، المهم ألا تترجم هذه الأماني إلى سلوك محرم.
نسأل الله أن يقدر لك الزوج الصالح، وأن يبارك فيك، والله المستعان.