قسوة أبي سببت لي تلعثما في الكلام ومشاكل أخرى، فما توجيهكم؟

0 29

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اسمي أحمد، عمري ٢٥، أعاني من أفعال والدي وخصوصا الأب، حيث أني أتلعثم بالكلام بسبب ما فعله أبي وأنا صغير، حيث كان يعاملني بقسوة ويضربني ويعاملني بعنف زائد ليس علي فقط حتى على أمي وأختي، ولا يتحدث معي كأب لابن ولا مرة! وعندما يخطئ بحقي لا يعتذر، وهو أقوى مني بدنيا وطولا ولا أستطيع مواجهته، مع أنه قليل العقل بنظري، حيث لم يتخرج من السادس الإعدادي، ويعمل الآن كفلاح، وأنا تخرجت حديثا من كلية الهندسة الكهربائية، حيث أعتقد أن تلعثمي بالكلام سببه الوالد لا غير، وعندما أتحدث وهو بجانبي يتحدث بمكاني حتى لا أتلعثم، أعلم أنه يفعل هذا من أجلي لكن هذا هو سبب بقائي أتلعثم وسبب عدم مقدرتي على الكلام وسبب دماري! مع أني ولدت دون تلعثم، لكن مع اختلاطي بأبي أصبحت التأتاة لدي، وأصبحت أبتعد عن أبي ولا أحب التكلم معه بسبب أفعاله الخاطئة، حتى أصبحت أتكلم عليه وأشتمه بين نفسي!

أعلم أنه يعمل من أجلي لكن أعتقد أنه لا يفقه شيئا عن التربية، ماذا أفعل معه؟

أصبحت لا أختلط بالناس بسبب التلعثم الذي سببه لي أبي، وأتمنى عندما أتزوج وأتخلص منه ومن تربيته الفاشلة بنظري!

أعرف أنه يجب أن يكون الابن بارا بوالديه بالرغم من أفعالهم!

أرجو الفائدة، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أخي الحبيب- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يقدر لكل الخير حيث كان وأن يرضيك به، ونحن سعداء -أخي الحبيب- بتواصلك معنا.

وبخصوص ما سألت عنه فنحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: نحن متفهمون تماما لما قلته، ونتفهم تماما أن طريقة القسوة التي عايشتها أثرت عليك سلبيا، لكنك تجاوزت حد الاعتدال في طريقة التعامل مع والدك وضخمت معايبه التي لا قصد سوء له فيها، وتغافلت عن محاسنه التي كانت عن قصد، لذلك نرجو منك أن تستمع لنا بقلب مفتوح وعقل واع وأنت الشاب الجامعي المثقف.

ثانيا: من الأمور المتفق عليها -أخي الكريم- أن حب أبيك لك أصدق من الشمس الساطعة في الظهيرة، حب فطري جبله الله عليه، وقد أمرك الله ببره وشدد على إكرامه حتى لو كان كافرا، بل حتى ولو كان يحرضك على الكفر بالله -عز وجل- "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا".

ثالثا: إننا لا ننكر الأخطاء التي يقع فيها بعض الآباء، لكننا نفرق -يا أخي- بين خطأ قصده الإيذاء وخطأ قصده الإصلاح، كانت هذه الطريقة المثلي في التعامل مع الأبناء ولا يعرف والدك غيرها، واستنفذ كل جهد وتحمل كل تعب وصبر لأجلك، وضعف لتقوى وجاع لتشبع وأنت لا تدري؟! أفيكون هذا هو الجزاء -يا أخي-.

هل الجزاء أن تقول عن والدك ما قلت، وأن تعتقد فيه ما تعتقد؟! هل هذا هو البر الذي أمرك الله به؟! كلمتك -أخي- في حق والدك قوية جدا، وأنت لا تعلم كم ثقلها في الميزان يوم العرض على الله -عز وجل-، فاتق الله -يا أخي-.

اتق الله وأنت الشاب المثقف والذي تعلم أن رضى الله في رضاه وسخط الله في سخطه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "سخط الله في سخط الوالدين ورضاء الله في رضاء لوالدين"، الواجب عليك وأنت الشاب المتدين أن تتحمل أخطاءه وأن تنسى زلاته، فهو أبوك، أبوك الذي يحبك أكثر من أي أحد في العالم كله، فمحبته لك لا تعادلها محبة بشر ولا حتى محبة ولد لك.

أخي الحبيب: أبوك الآن قد ضعف بعد قوة، وشاب بعد فتوة، واليوم أو الغد لن تجده بجوارك وساعتها ستدرك معنى وجود الأب، ولكن سيكون بعد فوات الأوان، وساعتها سيكون الندم شديدا -يا أخي-!

إننا نقول لك -يا أخي الحبيب- ذلك وندعوك إلى مراجعة شاملة وبر عام، ونحن مؤمنون بأنك مهما فعلت فلن تقدر أن تفي بحق هذا الوالد عليك! ليس هذا كلامنا بل كلام حبيبك -صلى الله عليه وسلم-، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا، فيشتريه فيعتقه.

ولعلك تذكر حديث رسول الله (أنت ومالك لأبيك)، ولهذا الحديث قصة مؤثرة وردت في رواية الطبراني والبيهقي، لهذا الحديث من طريق المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن أبي أخذ مالي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل: (اذهب فأتني بأبيك)، فنزل جبريل -عليه السلام- على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن الله -عز وجل- يقرئك السلام ويقول لك: إذا جاءك الشيخ فسله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه، فلما جاء الشيخ قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- ما بال ابنك يشكوك، أتريد أخذ ماله؟ قال: سله يا رسول الله، هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إيه! دعنا من هذا، أخبرنا عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك)، فقال الشيخ: والله يا رسول الله ما يزال الله يزيدنا بك يقينا! لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي فقال -صلى الله عليه وسلم-: (قل وأنا أسمع)، قال: قلت:

غذوتك مولودا ومنتك يافعا تعل بما أجني عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهرا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيناي تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقت مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما فيك كنت أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المجاور يفعل

قال: فحينئذ أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بتلابيب ابنه وقال: (أنت ومالك لأبيك).

رابعا: -أخي الكريم- والدك أخطأ عن جهل وهو في كل حياتك يريد نجاتك ونحن لا نستطيع أن نحدد إن كان ما ألم بك هو سببه أم لا؟ وكيف علاجه؟ ولعل الدكتور مأمون سيجيبك عن هذه النقطة، لكن ندعوك إلى الانتباه إلى ما تبقى من عمره حفظه الله لك.

انتبه وانس كل شيء واحرص عليه، واعلم أن البر دين مسترد في أولادك كما أن العقوق دين، فاستعذ بالله من هواجس الشيطان فأنت بعض أبيك وأنت زرعه الذي تعب عليه حتى استقام، نسأل الله أن يرزقك بره، والله الموفق.

++++++++++++++++++++++++++++++
انتهت إجابة الدكتور أحمد المحمدي (المستشار التربوي)، وتليه إجابة الدكتور مأمون مبيض (استشاري الطب النفسي).
++++++++++++++++++++++++++++++

نرحب بك -بني- عبر الشبكة الإسلامية، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال.

من المؤكد أن حياة الإنسان في طفولته تجعل منه الإنسان الراشد الذي هو عليه، وربما كما حصل معك فأصبحت بسبب معاملة والدك القاسية لك أصبحت انطوائيا وتشعر بالتوتر والقلق وأصبت بتلعثم في الكلام والتأتأه، نعم مع الأسف هناك من الآباء والأمهات من تنقصهم الخبرة الكثيرة في مهارات تربية الأطفال فيقعون في الأخطاء الكثيرة نعم.

هناك عبارة جميلة لأحد علماء النفس تقول: (نحن لسنا أسرى لماضينا)، أي يمكن أن أكون قد مررت بتجارب صعبة قاسية في حياتي في طفولتي أو غيرها، ولكن يمكن أن أخرج من هذا الحال، التحدي الكبير لك بني هو كيف توازن بين محاولة برك بوالديك فلا تبادل الإساءة بالإساءة، ولا سوء المعاملة بسوء المعاملة، ولكن في نفس الوقت تلتفت لبناء حياتك والخروج من طريقة معاملة والدك لك، وهنا ربما تفعله أنت من تجنب كثرة المواجهة والاختلاط مع والدك ربما هذا كله يعينك على نزع فتيل سوء المعاملة هذه.

فاحرص -بني- على بناء قدراتك النفسية والاجتماعية وحاول الاختلاط قدر الإمكان بالناس خارج الأسرة، ولا تتجنب لقاء الآخرين، فلقاء الناس سيعطيك الثقة بالنفس التي تنقصك والتي تحتاجها والتي ربما ضعفت بسبب معاملة والدك لك، فاختلاط بالناس سيعطيك الثقة بالنفس ويعينك على تخفيف القلق والتوتر والتلعثم، انظر إلى مستقبل حياتك بشيء من التفاؤل، وكما ذكرت لك نحن لسنا أسرى لماضينا،.

أدعو الله تعالى لك بالصحة والعافية وبناء الشخصية القوية المتوازنة.

مواد ذات صلة

الاستشارات