السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة عمري 18 سنة، أنهيت الثانوية العامة بمعدل 94,4، تعبت كثيرا هذه السنة، وكان هدفي أن أكون من أوائل المملكة الأردنية، لكني لم أحقق هدفي، ولم أحصل على معدل متميز، مقهورة جدا، فقدت الشغف تجاه كل شيء، أحس بالفشل، والله تعبت، والمفروض أن أحصل على معدل أعلى.
ساعدوني، أحتاج لكلام يرفع معنوياتي، والله إني مقهورة وليس لدي أي شغف للاستمرار، بالنسبة للأهل فأمي مقهورة مما حدث لي، وتبكي، ولا أريد أن أراها في هذه الحالة لأني أحبها، أما الأقرباء فيباركون لي نجاحي، ويعتبرون معدلي عاليا، رغم أني لست راضية عنه مقارنة بتعبي في الحصول عليه.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جنين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم بموقعنا، ونبارك لك النجاح أولا، فالنجاح بحد ذاته إنجاز يستحق الاحتفاء والإشادة، كما نبارك لك تحقيق هذه النسبة العالية ثانيا، وهي نسبة ممتازة جدا، وتستحق الاحتفاء والإشادة أيضا.
أما كونك ترين أن هذه النسبة لم تحقق ما في نفسك من طموح، فهذا أمر اعتيادي يحصل مع الناس في حياتهم اليومية، فكثيرة هي تلك المطالب والأهداف التي لا تتحقق بشكل تام، وإنما قد تتحقق بشكل جزئي.
لديك مشكلة في التكيف مع الواقع بسبب التوقع، فواقعك خالف توقعك، وهنا تأتي أهمية (التفكير السليم) في التعامل مع مشكلات الحياة، فرؤية الأمور بلونين فقط (إما أبيض أو أسود) هو أحد أخطاء التفكير الشائعة، وذلك لأن الحياة ملونة وليست أبيض أو أسود فقط، إما أن تصلي إلى الهدف المنشود وإلا فأنت فاشلة، هذا تفكير قد لا يكون صحيحا، وذلك أن نجاح الإنسان لا يقاس بمجرد اجتيازه مادة دراسية أو مرحلة أكاديمية، بل إن مدرسة الحياة أوسع من مدرسة وزارة التربية والتعليم، وهناك قرابة عشرة أنواع من الذكاءات المتعددة، فالأمر لا يقتصر على مجرد النجاح في المواد الدراسية، بل إن الذكاء الاجتماعي وحسن التعامل مع الآخرين هو أعظم من الذكاء الأكاديمي، وربما تلاحظين أن كبار التجار والمستثمرين هم أشخاص عاديون، وربما بعضهم بالكاد يقرأ ويكتب، بينما يعمل لديه أعظم الأطباء والاختصاصيين لأنه ببساطة يملك هذا المستشفى وتلك الصيدلية! فالحياة أوسع مما نتخيل.
إن ما حصل معك يمكنك أن تعتبريه مصيبة نزلت بك، فكيف تتعاملين معها؟
لو تأملنا قول الله تعالى: (ولنبۡلونكم بشيء من ٱلۡخوۡف وٱلۡجوع ونقۡص من ٱلۡأمۡوال وٱلۡأنفس وٱلثمر ٰت وبشر ٱلصـٰبرين * ٱلذين إذاۤ أصـٰبتۡهم مصيبة قالوۤا۟ إنا لله وإناۤ إليۡه ر اجعون * أولـٰۤىٕك عليۡهمۡ صلو ٰت من ربهمۡ ورحۡمة وأو۟لـٰۤىٕك هم ٱلۡمهۡتدون)
سنجد هذه الآيات أنها ترشدنا إلى أدب التعامل مع المصائب التي تنزل بنا، ولو اعتبرنا أن ما أصابك هي مصيبة فعلا، فهنا يمكنك اللجوء إلى هذا الأدب القرآني، فتقولين: إنا لله وإنا إليه راجعون. مع أن ما يمكن تسميته مصيبة هو ما ورد ذكره في الآية الكريمة من نقص في الأنفس بالموت ونقص في الثمرات بالقحط والجوع، والابتلاء بالخوف والجوع، بينما مجرد عدم تحقيق درجة الأوائل في الدراسة فهذه لا ترقى لمستوى المصيبة، وإنما يمكن اعتبارها نوعا من الابتلاء أو التقدير الذي قدره الله تعالى عليك، رغم حرصك واجتهادك لحكمة يعلمها الله تعالى، فقد تتفوقين وتصبحين من الأوائل ثم تدخلين تخصصا يسبب لك الشقاء والتعب طوال حياتك!
ولو تأملنا في قصة نبي الله موسى -عليه السلام- مع الخضر في حادثة خرق السفينة التي كان يملكها مجموعة من المساكين والفقراء، لرأينا كيف تم إتلاف السفينة من قبل الخضر من غير جرم ارتكبوه! ولكنه القدر الذي هيأه الله لهم، فلو لم يتم إتلاف جزء من السفينة لاستولى الملك الظالم على كل السفينة، حيث كان يأخذ كل سفينة صالحة غصبا، وهكذا لو تأمل الإنسان في حياته وكيف فاته هذا الأمر أو ذاك، وكيف أنه لم يصل إلى هدفه الذي يبتغيه، لوجد أنها أقدار مقدرة من الله تعالى، رغم حرص المرء واجتهاده الكبير على بلوغ الغاية التي كان يؤملها.
إذن فلا داعي للأسى، فرب ضارة نافعة، وسيجعل الله بعد عسر يسرا، نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.