الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفتقد الدافعية للدراسة رغم أنني في مرحلة مصيرية، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة في السابعة عشرة من عمري، أدرس حاليًا في الثانوية العامة، وهي كما تعلمون سنة مصيرية، رغم أنني بدأت المذاكرة، وفهمت معظم الدروس، ولم يتبق لي إلا مراجعة بعض النقاط، إلا أنني أشعر بانهيار تام.

لم يتبقَ على الامتحانات سوى 17 يومًا، لكن طاقتي نفدت تمامًا، لا أستطيع المذاكرة، ولا أشعر بأي دافع، أقضي الساعات أمام الكتب دون أن أستوعب شيئًا، وكأنني بلا روح أو تركيز، يمضي اليوم دون إنجاز، والغريب أن ضميري لم يعد يؤنبني كما في السابق، وكأن الحماس قد انطفأ تمامًا.

أعاني من ضغط نفسي شديد، وحزن داخلي لا أستطيع وصفه، أشعر بالذنب تجاه أهلي الذين يعلّقون علي آمالهم، لكنني أراهم يحبطون أكثر فأكثر كلما لاحظوا عدم تقدمي، وهذا يزيد من ألمي.

أبكي كثيرًا، وأشعر بالعجز، لا شغف، ولا طاقة، ولا حتى مجرد رغبة حقيقية في بذل الجهد، حتى وإن تذكرت هدفي، أو سمعت كلمات تحفيزية، لا يتحرك بداخلي شيء.

أهلي يسألونني يوميًا عمّا أنجزته، ولا أملك سوى إجابة واحدة: "لا شيء يُذكر"، هذا يحزنهم ويقلقهم، بينما أنا لا أتحرك، وكأنني في حلقة مغلقة من اللامبالاة والتعب.

أرجوكم: أرشدوني، فقد تعبت حقًا، ولا أعرف كيف أخرج من هذا الحال!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أولًا: نريد أن نبدأ بالقول إن ما تمرين به ليس أمرًا غريبًا أو نادرًا، بل هو شعور مشترك بين الكثير من الطلاب، خاصة في السنوات الدراسية المصيرية مثل الثانوية العامة، أنت لست وحدك في هذا، وأنتِ إنسانة قوية لمجرد أنك بادرتِ بالبحث عن مساعدة، وتعبيرك عن مشاعرك بكل صدق هذا في حد ذاته خطوة كبيرة، تدل على وعيك وإرادتك تحسين حالتك.

1. الاعتراف بالمشاعر والتعبير عنها: ما تشعرين به من تعب نفسي وضغوط ليس ضعفًا منك، بل هو استجابة طبيعية للضغوط الكبيرة التي تعيشينها، أنتِ إنسانة، وللإنسان حدود لطاقته، قال تعالى: "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها"، وهذا يعني أن الله سبحانه وتعالى يعلم حدود طاقتك، ولن يحاسبك على ما هو فوق طاقتك، أحيانًا تحتاجين إلى التوقف قليلًا للتأمل والتنفس، بدلًا من الاستمرار في الضغط على نفسك حتى الإنهاك.

تعبك من الحزن والضغوط النفسية: هو إشارة إلى أن الوقت قد حان للاعتناء بنفسك، الحزن الذي تشعرين به من أجل أهلك وقلقهم عليك أمر نبيل، ولكنه لن يساعدك إذا لم تعتني بنفسك أولًا، فلن تستطيعي الاعتناء بغيرك، تذكري أن الله سبحانه وتعالى يحب منك أن تبذلي جهدك، ولكن يحب منك أيضًا أن ترحمي نفسك.

2. أسباب قد تؤدي إلى حالتك النفسية هذه: ما تصفينه من تعب نفسي، وفقدان للطاقة، وعدم القدرة على الإنجاز، قد يكون مرتبطًا بعدة عوامل:

• المذاكرة المستمرة دون فترات راحة حقيقية تؤدي إلى "الإرهاق العقلي"، وهو ما يجعل العقل غير قادر على التركيز أو الإنجاز.
• الخوف من الفشل، أو عدم تحقيق التوقعات قد يؤدي إلى شلل نفسي، فلا يستطيع الإنسان أن يتقدم، أو ينجز.
• ربما تشعرين أنك مطالبة بالكمال، وأن أي تقصير منك يعني الفشل، وهذا ضغط كبير على النفس.
• الروتين المتكرر قد يسبب شعورًا بعدم الرغبة في الاستمرار، خاصةً إذا لم يكن هناك تجديد، أو مكافآت صغيرة تشجعك على المواصلة.

هذا ليس تشخيصًا، ولكنه محاولة لفهم ما تمرين به، أحيانًا يكون الحل بسيطًا، ولكنه يحتاج منا إلى وعي وصبر.

3. نصائح عملية للتعامل مع حالتك النفسية، والإنجاز الدراسي:

• من المهم أن تعلمي أن الإنجاز الكبير يبدأ بخطوات صغيرة، لا تفكري في إنهاء كل شيء دفعة واحدة، حددي أهدافًا صغيرة جدًا لكل ساعة أو لكل فترة مذاكرة، على سبيل المثال: اليوم سأراجع موضوعًا واحدًا فقط، وسأخصص له ساعة واحدة، لا تضعي توقعات كبيرة جدًا لنفسك؛ لأن ذلك قد يزيد من شعورك بالإحباط.

• استخدمي تقنية الوقت المُجزأ (تقنية البومودورو)، هذه التقنية تعتمد على المذاكرة لمدة 25 دقيقة متواصلة، ثم أخذ استراحة قصيرة لمدة 5 دقائق، خلال هذه الدقائق، ركزي فقط على ما بين يديك، عندما تنتهين من 4 جلسات (25 دقيقة لكل منها)، خصصي استراحة أطول (15-20 دقيقة)، هذه الطريقة تساعد على تقليل التوتر، وزيادة التركيز.

• لا تهملي طعامك ونومك، النوم الكافي، والطعام الصحي يمدانك بالطاقة الجسدية والنفسية، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لنفسك عليك حقًا، وإن لبدنك عليك حقًا".

• تذكري أن الهدف من كل جهد تبذلينه هو إرضاء الله، وتحقيق الأمانة التي حملكِ إياها، اجعلي نيتك في المذاكرة والسعي من أجل العلم نية خالصة لوجه الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة".

• القرآن الكريم هو شفاء للقلوب وراحة للنفوس، اقضي بعض الوقت في الاستماع إلى سور مطمئنة، مثل: سورة "الرحمن"، أو "يس"، وقولي الأدعية التي تهدئ قلبك، مثل دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال".

4. أعلم أن قلق أهلك عليك وضغطهم قد يزيد من توترك، ولكن حاولي أن تشرحي لهم بهدوء أنك تمرين بفترة صعبة نفسيًا، وأنك تحتاجين إلى دعمهم بدلًا من التركيز على الإنجاز فقط، يمكن أن تكوني صادقة معهم وتخبريهم أنك تحاولين، ولكنك بحاجة إلى بعض الراحة النفسية لتستعيدي طاقتك.

5. تذكري أن كل صعوبة تحمل في طياتها يسرًا قريبًا، وأن مشكلتك الحالية لن تدوم، قال تعالى: "فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا"، وتذكري قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز".
قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:
دع الأيام تفعل ما تشاء *** وطب نفسًا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي *** فما لحوادث الدنيا بقاء

6. متى تطلبين المساعدة؟ إذا شعرتِ أن حالتك النفسية تزداد سوءًا، أو أنك لا تستطيعين تجاوز هذا الشعور بمفردك، فلا تترددي في طلب المساعدة من شخص تثقين به، سواء كان أحد والديك، أو معلمك، أو مستشارًا نفسيًا، لا يوجد عيب في طلب المساعدة، بل هو دليل على قوتك ورغبتك في التحسن.

7. ختامًا -ابنتنا العزيزة-: أنتِ في مرحلة صعبة، ولكنها مؤقتة، تذكري أن هذه التحديات جزءًا من رحلتك في الحياة، وأن الله يختبرك ليزيدك قوة وصبرًا، لا تقسي على نفسك، وخذي الأمور خطوة بخطوة، سلي الله دائمًا التوفيق والهداية، وتذكري أن الله معك ولن يتركك أبدًا.

نحن ندعو لك من قلوبنا أن يرزقك الله طمأنينة النفس، وأن يفتح عليك فتوح العارفين، وأن يجعل أيامك القادمة مليئة بالإنجازات والفرحة.

وفقكِ الله وسدد خطاكِ، وجعل لكِ من كل ضيق فرجًا، ومن كل هم مخرجًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً