كيف أتجاهل انتقاد الناس ولا أتأثر به في حياتي؟

0 47

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعمل بجد واجتهاد لإرضاء الله، رغم عدم معرفتي لسبب وجودي، وهي حكمة الله التي يخفيها عن عباده، وعن سائر المخلوقات، الله أعلم بها، وأنا راضية جدا، وأسعى إلى عبادته حق العبادة، ومجاهدة نفسي في ترك المعاصي على قدر المستطاع، ومع ذلك لدي ذنوب، فلست معصومة ولكنني أدعو الله وأتوب إليه.

السؤال الخاص بالاستشارة: الحمد لله أقوم بكل عمل لله ونيتي خالصة لله، سواء بالطاعات السرية أو الجهرية، لماذا لا يرى الناس غير الشيء السيء؟ دمروني بكلامهم واتهامي بأني مقصرة، كلامهم يرجعني إلى نقطة الصفر، لا أريد الحياة، فلماذا أجاهد لحفظ القرآن ومراجعته، ثم يأتي أحدهم ويسألني سؤالا حول موضع قد نسيته، فيضحك ويستهزئ لنسيان الإجابة في وقتها؟ أجاهد نفسي بالحفظ ويغلبني الشيطان مرة وأغلبه مرة أخرى، علما أن حفظي لله وليس لهم.

أخدم والدتي وإخوتي، وألبي طلباتهم، وأقوم بأعمال المنزل، وفي النهاية يقولون أنني لا أفعل شيئا، لماذا ينسون عملي؟ تعبت من الكلام، وصرت ألوم نفسي وأفكر بأن تقصيري أكبر من عملي، فماذا أفعل؟ وماذا يجب أن أفعل زيادة على ما أفعله؟ أحاول إلزام نفسي بعمل الطاعات، والاجتهاد في ذلك، علما أنني لا أعيرهم على تقصيرهم، ولا أعاملهم بالمثل، كيف يجب أن أتصرف؟ وكيف لا أتأثر بهم ولا يؤثرون في عبادتي وعملي؟ كيف أطيع الله وأعبده مع كل هذه الإهانات والكلام؟ كيف أكمل الطريق كفتاة مسلمة؟

شكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ندى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الرحيم أن يمن عليك بالعفو، وأن يثبتك على الحق، إنه جواد كريم.

أختنا الكريمة: إننا نحمد الله إليك هذا الاجتهاد وهذه الأماني الطيبة، وهذا يدل على خير فيك، ونية صادقة منك، بقي فقط بعض النقاط حتى تكتمل الصورة الطيبة، وسنجعلها في النقاط التالية:

أولا: النية من الأمور الهامة جدا، إذ لا تقبل الأعمال إلا بها، ولكن مع أهميتها وخطورتها إلا أنها لا تعمل ولا تحرك ساكنا، فلو نوى أحد صعود الجبل وهو على السرير لن يصعد، أو لم يتخذ الأهبة التامة للصعود لن يصل، وعليه فلا بد من عمل مؤسس سليم مبني على نية صالحة، وهذا يحتاج إلى برنامج عملي متزن.

ثانيا: طبيعة الناس أختنا الفاضلة: التعليق على الأخطاء، وهذا أمر طبيعي في البيت إذا أراد أن يقوم أولاده، ولكن غير الطبيعي هو ربطك لانتقاد الناس لك بصلاتك وجهدك؟ وأنت تعرفين -أيتها الفاضلة- أن هذه العلاقة هي علاقة خاصة مع الله، لا يلزم منها أن يثني الناس، بل الأصل في العمل الخفاء، ولذلك نود منك فصل الجهتين عن بعض.

ثالثا: انتقاد الناس عند أهل العقل يسمى: هدية، فقد انتشر أثر -وإن كان فيه مقال- رحم الله من أهدى إلي عيوبي، ويروى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه قال-:"رحم الله من أهدى إلي عيوبي تحبون أن تقولوا فيحتمل لكم وإن قيل لكم مثل الذي قلتم غضبتم"، والسؤال الآن لك -أيتها الكريمة- لماذا لا آخذ انتقاد الغير ورؤيتهم لهذا الخطأ على أنه رسالة تحتاج النظر والتأمل؟ فإن كانت حقا عيبا فقد أهدوك هدية، وإن كانت غير ذلك فالحمد لله على السلامة، وبهذا يحدث التوازن النفسي عند الانتقاد.

رابعا: استشعار الإنسان بالجهد وحصول التعب منه، لا يلزم منه أن يستشعره الناس، فالجميع وأنت منهم نحكم على الآثار والنتائج، فلو تركت أنت أختك لتنظيف المطبخ، وظلت في المطبخ ساعات طوال وعدت أنت فوجدت المطبخ لم ينجز منه إلا القليل مع طول الوقت الذي قضته في المطبخ، ساعتها هل تتحدثين معها عن إنجازها الذي لا يذكر أم ستبدأين بمعاتبتها؟ نكاد نسمعك تقولين لكني تعبت كثيرا، أختك في المطبخ أيضا تعبت كثيرا، هذا جوابها لو تم سؤالها.

خامسا: هناك قاعدة لو طبقتها في حياتك لوجدت فرقا هائلا وهي: (اذبحي ثناء الناس في قلبك)، لا تنتظري من أحد ممدحة، ولا تتأثري بانتقاد أحد، بل تقبليه بصدر رحب، وابحثي هل صحيح ما قالوه أم خطأ، أم صحيح ولكن مبالغ فيه؟ وابدئي واحدة واحدة وعالجي الخطأ، بعد فترة ليست بالطويلة لن تجدي منهم مثل هذا الانتقاد.

سادسا: نريدك بعد التعامل الإيجابي مع الانتقاد أن تنمي في نفسك الثقة بها، والثقة بالنفس إحساس داخلي تشعري به فيترجم إلى مواقف ثابتة وحركات مستقيمة، فلا يهزك النقد ولا يثنيك التجاهل ذلك أن الهدف أمامك واضح وأنت سائرة إليه متوقعة تلك العقبات، ومؤمنة بأنك قادرة على تخطيها.

وحتى تتعمق الثقة وتتجذر داخلك -أختنا الكريمة- لا بد أن تحذري من ثلاث عقبات قد أشرنا إلى بعضها ولا بأس من التكرار:

1- تهويل الأمور وتضخيم المواقف، والصواب أن ننظر إلى النقد أو التجاهل أو التقليل أو غيرها مما ذكرت بلا تهويل ولا تهوين، ندرس بهدوء هذا النقد، فإن كان فيه الصواب أخذناه، وإن كان خطأ رددناه، كل هذا ونحن سائرون نحو الأهداف التي وضعتيها لنفسك.

2- احذري من اعتبار نقد غيرك معيارا حقيقيا للصواب أو الخطأ، فهذا خلل خطير، ذلك أن المعيار الحقيقي لمعرفة الصواب من الخطأ هو الأصول والمبادئ المتعارف عليها شرعا، وليس نقد الآخرين.

3- احذري كذلك من المبالغة في التفكير في كل انتقاد يوجه إليك، فهذا أيضا خطأ، لأن كل إنسان له ثقافته ورؤيته، وليس كل كلام الناس صوابا، كما أن أفعالك كلها ليست صوابا، والاستسلام لكلام الناس واعتبار حديثهم أمرا مقدسا له تبعاته السلبية، فقد يتطور إلى أن يصل إلى حد احتقار الذات في الخلوة ببعض الألفاظ التي قد تدمر الشخصية، مثل: " أنا عديمة الثقة "، أو " أنا فاشلة "، أو غير ذلك من العبارات الفارغة والتي قد تشكل خطرا جسيما على النفس؛ لأنها تزيد من اقتناعك بكلام غيرك وهذا خطأ.

سابعا: نريد أن ننصحك ببعض أمور ونرجو منك التركيز في قراءتها:
1- أنت إنسانة طبيعية جدا، والخلل الموجود لا يكمن في عدم قدرتك، ولكن يكمن في عدم مواصلة النجاح مع النية الجيدة التي عندك.

2- التعرف على الأسباب التي تدفع الغير إلى عدم الاقتناع بك أمر هام، لكن لا تصرفي إليه كل جهدك.

3- لا تتوقفي وأنت تعالجي الأخطاء، ولا تنظري إلى نفسك بعين غيرك.

4- اجعلي لك معيارا تقيسين عليه أفعالك، ولا يخفاك أن المعيار المقدس الوحيد كتاب الله وما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

5- الخطأ ليس هو الفشل، بل الخطأ جسر طبيعي للوصول إلى النجاح.

6- اجتهدي في شغل أوقاتك في طاعة الله عز وجل، فلا تطمئن القلوب ولا تهدأ إلا بالدين.

7- التعرف على بعض الأخوات الصالحات أمر جيد، فالمرء بإخوانه وإخوانه بدونه.

نسأل الله أن يوفقك وأن يسعدك وأن يقدر لك الخير حيث كان، ونحن في انتظار رسائلك التي تبشرنا بصلاح حالك، والله المستعان.

مواد ذات صلة

الاستشارات