السؤال
السلام عليكم.
أنا ولد، عمري 15 سنة، مشكلتي مع أبي دائما ما يوبخني على أتفه الأسباب وينتقدني وينعتني بأبشع الكلمات التي لا تخطر على بالك، ويضربني ولا يحب الحديث معي.
منذ أن ولدت وأنا لم أتكلم معه بطلاقة، عندما يجلس هو وإخوتي يبدأ بالحديث معهم والضحك، وعندما أحضر أنا يغضب ويتغير وجهه كأنه لا يريدني، وعندما يرى أي شيء ليس على ما يرام يأتيني أنا ويضربني ضربا شديدا بدون أن يسمع مني مع أني لست من فعل هذا الشيء، وهو يحرمني من كل شيء! لا يريدني أن أخرج مع أصدقائي أو جيراني أو أولاد عمي، لا يريدني أن أذهب لنوادي كرة القدم، لا يريدني أن أخرج خارج المنزل!
انعدمت ثقتي بنفسي وأصبحت معزولا عن العالم، إخوتي كلهم أصغر مني بسنين كثيرة، لا أخرج خارج غرفتي، ليس لدي في هذه الحياة سوى الهاتف الذي يلهيني عما حرمني أبي منه، دائما أحس أنني لست من هذه العائلة، لقد كرهت حياتي وحاولت عدة مرات الانتحار، لكني أتذكر أنني سأخسر الدنيا والآخرة فأرجع عنه.
أرجوكم أريد حلا لمشكلتي، والله إني كرهت الحياة بسببه!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -يا أخي- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.
وبخصوص ما سألت عنه فنحب أن نجيبك من خلال بعض النقاط التالية:
أولا: نحن متفهمون لحديثك، ونتفهم أن الطريقة التي ذكرت أنها قاسية وتفضيلية أثرت عليك سلبيا، وجعلتك تبصر الأمور من زاوية ضيقة؛ لذلك نرجو منك أن تقرأ كلامنا بموضوعية هادئة أو بهدوء موضوعي ونسأل الله أن يصبرك علينا، فقد سألت والمستشار مؤتمن ، ونحن هنا لا نعرفك ولا نعرف والدك، لذا نرجو الله أن يتسع صدرك لحديثنا، فنحن والله يعلم لا نريد لك إلا الخير، مع أننا نتفهم تماما طبيعة المشكلة حين يكون الفرد طرفا فيها، بالطبع يظنها أكبر وأعقد وأصعب المشاكل، وأن الجميع لا يفهم طبيعتها مثله، وربما يكون له بعض الحق لكن قطعا لا يعني ذلك أن الحق كله معه.
ثانيا: هناك أمور تسمى: البدهيات القاطعة، مثل ماذا؟ مثل: الشمس تسطع نهارا، القمر يخرج ليلا، السماء فوقنا، الأرض تحتنا.
هذه أمور بدهية كما لا يخفاك، فلو أتاك من يقسم لك باكيا شاكيا على أنه رأى الشمس قبل الفجر ساطعة، ماذا تقول له؟ لا ريب أنك لن تصدقه وأنك ستدرك لأول وهلة أن شيئا ما خطأ عند هذا المتحدث، إما أن يكون مريضا أو متعبا أو خيل له، المهم أنك لن تناقش ولو لحظة إمكانية سطوع الشمس ليلا! وانما ستناقش علة دائه.
وهذا -أخي- ما نود منك أن تنظر إليه، المشكلة ليست مع والدك بقدر ما هي معك، اسمح لنا ونحن نريد لك الخير، لن تجد في الكون كله من يحبك كوالديك، لن تجد في الكون أحد أحرص عليك منه، لن تجد في الكون كله من يبكي عليك ويتألم لأجلك مثله، تلك بدهيات -أخي الحبيب-، فراجع موقفك جيدا.
ثالثا: إننا نود منك أن تقرأ تلك الواقعة بتأن:
عن جابر -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن أبي أخذ مالي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل: ((اذهب فأتني بأبيك))، فنزل جبريل -عليه السلام- على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إن الله -عز وجل- يقرئك السلام ويقول لك: إذا جاءك الشيخ فسله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه، فلما جاء الشيخ قال له النبي -صلى الله عليه وسلم- ما بال ابنك يشكوك، أتريد أخذ ماله؟ قال: سله يا رسول الله، هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إيه! دعنا من هذا، أخبرنا عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك))، فقال الشيخ: والله يا رسول الله ما يزال الله يزيدنا بك يقينا! لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((قل وأنا أسمع))، قال: قلت:
غذوتك مولودا ومنتك يافعا
تعل بما أجني عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت
لسقمك إلا ساهرا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي
طرقت به دوني فعيناي تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها
لتعلم أن الموت وقت مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي
إليها مدى ما فيك كنت أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة
كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي
فعلت كما الجار المجاور يفعل
قال: فحينئذ أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بتلابيب ابنه وقال: ((أنت ومالك لأبيك)) .
رابعا: نحن نقول ذلك ولا ندعي أن والدك معصوم من الخطأ، لا أبدا، فهناك سلوكيات خاطئة يفعلها الأهل مع الأطفال، نحن ندينها وننكرها عليهم، ولكننا نفصل بين الحقوق والواجبات الشرعية من ناحية، وبين العاطفة والخطأ من ناحية أخرى، فخطأ الوالد لا يدل أبدا على بغضه لولده، مستحيل أن يبغض والدا ولده وهو زرعه، أو أن يضمر له سوءا وهو بعضه.
ومع ذلك نقول: إن قلة الحقوق من الوالد لا تعني غياب الواجبات تجاهه من ولده، وعليه فالسلوك الخاطئ لا نوافق عليه ولا بد أن يبين للمخطئ، لكنه -الخطأ- نابع عن اجتهاد أو خطأ في التقدير وليس عن سوء نية.
خامسا: حق والدك عليك قائم حتى ولو كان كافرا، وأنت تعلم قول الله -عز وجل- "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا "، أي إن أرادا منعك وإرغامك على الكفر بالله خالق السموات والأرض فلا تطعهما، ولا تترك مساعدتها ومصاحبتهما.
سادسا: نأتى بعد ذلك إلى المشكلتين الرئيستين في حديثك، وهي:
1- غياب حنانه لك، وحواره معك، مع كثرة غضبه عليك.
2-عدم تركه إياك تذهب إلى أصحابك وأصدقائك.
أما الأولى فلا نعتقد أنها من الوالد، لأنك قد ذكرت أنه يتحدث مع إخوانك ويحاورهم، إذا فليست المشكلة عنده في المحاورة، بل المشكلة عندك أنت في طريقة الحوار، ولذا وجب التنبيه إلى ذلك حتى تراجع نفسك.
أما الثانية: فلا زلت -يا أخي- صغير السن، والوالد من فرط حبه لولده يخشى عليه رفقة السوء، وهذا أمر طبيعي لا ينبغي أن تأخذ منه موقفا سلبيا.
أخي الكريم: أنت فرد من هذه العائلة، وجميعهم يحبونك وإن كرهوا بعض تصرفاتك، نصيحتنا لك أن لا تعن الشيطان على نفسك، ولا تترك نفسك صريعا لهذه الأوهام، حاور والدك وتحدث معه واعلم أن له قلبا يحن إليك، وابدأ بنفسك واصبر على تغيير الحال وستجد الخير الكثير.
وفي الختام: أنت شاب طيب وصالح ونحن نرى أن الفجوة هذه ستضيق متى ما تفهمت طبيعة الوالد، فحاول أن تتعامل معه بطريقة تشعره فيها بحبك له، وحرصك على عدم إغضابه، افعل الأشياء التي يحبها وتجنب الأشياء التي يبغضها، مثلا: إذا جاء من الخارج قدم له غياره وصندله المنزلي، أو كوبا من الماء البارد أو عصيرا، إذا احتاج إلى شيء فكن أول من يبادر لتلبية طلبه، إذا علمت أنه في وقت معين يستعمل شيئا بعينه فقدم له ذلك الشيء، وهكذا من الأساليب التي تجعله يشعر بحبك واحترامك له.
استعن بالله تعالى, وأكثر من الدعاء بأن يحبب الله والدك فيك، وأن يصرف قلبه إلى محبتك، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وإن الله تعالى هو القادر على أن يصلح الحال بينك وبين أبيك.
اعمل بهذه النصائح واجعلها بداية جديدة لحياة سعيدة مع والد بذل منذ خمسة عشر عاما كل ما يستطيع من أجلك، وهو مهما طال عمره راحل عنك، نسأل الله أن يبارك لك في عمره، وأن يرزقك السعادة معه، وأن يوفقك لكل خير وأن يسعدك في الدارين وأن يحفظك من كل مكروه، والله الموفق.