المعاصي أبعدتني عن الله، فكيف الرجوع إليه؟

0 32

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كنت أعبد الله، وأحافظ على صلواتي دائما، وكنت أخاف أن أعصي الله وأغضبه، وكنت متيقنة أن الله دائما معي، وينجيني من أي شيء.

لكن منذ سنتين أو ثلاث ابتعدت عن الله، وصرت مستهترة، أرتكب المعاصي، ولا أشعر بالذنب عند ارتكابه، أحاول الرجوع إلى الله، والمحافظة على الصلاة، ولكن أعود يوما أو يومين ثم أقطع صلاتي مرة أخرى، وأصبحت أشعر باليأس، وأشعر أن الله لا يحبني، وأنني أستحق الذي أنا فيه، كنت أفكر أنه مهما أخطأ فإن الله سيتوب علي حتى وصلت حد الاستهتار.

امتحاناتي بعد أقل من شهر، أضعت أربعة شهور ولم أدرس، ولم أعمل أي شيء، أنشغل بالهاتف فقط، وعندما أحاول الدراسة لا أستطيع التركيز، فأقوم فورا بعمل أي شيء آخر ما عدا الدراسة، وصرت أشعر أنني لن أوفق ولن أنجح في امتحاناتي بسبب معصيتي لله!

أريد الرجوع إلى الله، أريد أن أخشاه وأعبده كما كنت من قبل، ولا أريد أن يغضب علي، أشعر أن الذي أنا فيه بسبب المعاصي المتكررة، وعدم خوفي من الله عز وجل، ماذا أفعل؟ هل هناك حل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ديانا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك -أختنا- في موقعك "إسلام ويب"، وإنا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

وبخصوص ما تفضلت بالسؤال عنه، فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: من الثابت عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وما كنت فيه كان ثمرة طاعة انعكست على حياتك فجملتها وأزهرتها، ثم حدثت انتكاسة فآل الأمر إلى ما أنت فيه اليوم، ولأنك مدركة تماما حجم المشكلة وأثر المعصية في الحياة كلها، فلن نسلط الضوء عليها، وإنما سنبين لك طريق الخروج والعودة، وهو يحتاج منك إلى الجد والاجتهاد والصبر، إذ هي معركة كاملة لاستعادة الأمن القلبي والنفسي، معركة مع الشيطان والنفس والهوى وصديقة السوء والبيئة، وكل ما يصرفك عن الله سيكون عدوا لك، لكن ما يطمئنك أنها معركة لله عز وجل، وأن الله سيكون ناصرك ومعينك فيها، وأنك حتما فيها رابحة ما استعنت بالله، واجتهدت وصبرت على هذا الطريق، فمن المعلوم أنك لن تجدي طعم الإيمان ولذته هكذا من أول شهر أو شهرين، بل لا بد من صبر على الطريق، وقد قال بعض السلف: "جاهدت نفسي على قيام الليل عشرين عاما حتى وجدت لذتها"، لكن مع كل يوم طاعة ستكسبين شيئا جيدا في حياتك.

ثانيا: لا بد أن نعلم -أختنا- أن الصراع بين الخير والشر والحسن والقبح ونزغات الشيطان ومرادات الخير في الإنسان قائمة، وأن المعركة طويلة، ينتصر فيها المرء يوما وينهزم أخرى، لكن الهزيمة الحقة يوم أن يتوهم أنه عاجز عن مواجهة شيطانه، لذا أول ما ينبغي عليك الاعتماد عليه بعد الله: ثقتك في النجاح، والوصول إلى ما كنت عليه بل وزيادة.

ثالثا: لا شك أن للمعصية ظلمة، يستشعرها الإنسان في حياته كلها، وما أنت فيه هو جزء من هذه الظلمة، لذلك نقول لك: ابدئي بإصلاح قلبك، وفي الوقت ذاته ابدئي بالدراسة والتحصيل، وستجدين الخير رغم بعض العقبات الطبيعية، هذا هو الطريق السليم، وحتى نيسر عليك الأمر سنذكر لك طريقة العودة وزيادة الإيمان في قلبك، وعليك بالعمل على ذلك.

رابعا: الآن سنتحدث عن عوامل زيادة الإيمان، وهو أول الطريق وأوسطه ومنتهاه، فاحرصي على ما نقول، فقد جمع أهل العلم تلك النقاط في كتابات طويلة ملخصها في هذه النقاط:
1-: معرفة من تعبدين من خلال معرفة أسمائه الحسنى وصفاته العلا: وقد ذكر أهل العلم أن هذا مما يولد الخشية في قلب المؤمن، قال تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، قال ابن رجب: "العلم النافع يدل على أمرين: أحدهما: على معرفة الله وما يستحقه من الأسماء الحسنى والصفات العلا والأفعال الباهرة، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه وخشيته ومهابته، ومحبته، ورجاءه، والتوكل عليه والرضاء بقضائه، والصبر على بلائه.
والأمر الثاني: المعرفة بما يحبه ويرضاه، وما يكرهه وما يسخطه من الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال، فيوجب ذلك -لمن علمه- المسارعة إلى ما فيه محبة الله ورضاه، والتباعد عما يكرهه ويسخطه، فإذا أثمر العلم لصاحبه هذا فهو علم نافع، فمتى كان العلم نافعا ووقر في القلب فقد خشع القلب لله وانكسر له، وذل هيبة وإجلالا وخشية ومحبة وتعظيما".

2-: التحصن -بعد الله- بالعلم الشرعي: ولا يعني ذلك ترك دراستك وتعليمك، وإنما نعني تكوين شخصية إسلامية لا تجهل الأمور الأساسية في الدين.

3-: كثرة التأمل في خلق الله عز وجل للوقوف على عظمته جل شأنه، قال تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} وقال: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}، وحثنا القرآن صراحة فقال: {قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون}، قال عامر بن عبد قيس: "سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: "إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر".

4-: تدبر القرآن: وهو المراد، وليس المراد الختم بلا تدبر وفهم، بل نريد منك التأمل ولو في صفحة واحدة في اليوم، المهم أن تحسني عن الله الفهم، ويدل على ذلك قول الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}، وهذا يوجب عليك أن يكون معك كتاب تفسير مبسط ،- قال ابن القيم رحمه الله: "قراءة آية بتفكر وتفهم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب وأدعى في حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن"، وقال أيضا: "فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن، وإطالة التأمل، وجمع الفكر على معاني آياته، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه وتشيد بنيانه وتوطد أركانه".

5-: لا يزال لسانك رطبا بذكر الله: الذكر مدمر للشيطان، قال تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} وقد شبه النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي لا يذكر الله بالرجل الميت، فقال كما في حديث أبي موسى: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت".

6-: البحث عن حلاوة الإيمان: للإيمان لذة ولها طعم حلو ومذاق فريد، لا يتذوقها إلا من قدم محبة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-على محبة نفسه وهواها، يدل على ذلك: حديث أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار". متفق عليه.

7- : البحث عن الصحبة الصالحة التقية، وحضور مجالس الذكر ولو قليلا، فالمرء بإخوانه، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن كثرة المواظبة والالتقاء بمن يذكروك بالله معين على الطاعة، ويدل على ذلك حديث حنظلة الأسيدي قال: "قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟" قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا، فقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة"، وقال معاذ بن جبل لأحد أصحابه يتذاكر معه: "اجلس بنا نؤمن ساعة"، وقال أبو الدرداء: "كان ابن رواحة يأخذ بيدي ويقول: "تعال نؤمن ساعة، إن القلب أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانها".

8-: الابتعاد عن المعصية: فالمعصية ظلمة في القلب، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث حذيفة: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين، على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربادا (أي مخلوطا حمرة بسواد) كالكوز مجخيا (كالكأس المنكوس المقلوب الذي إذا انصب فيه شيء لا يدخل فيه) لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه".
وقد قال ابن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب --- وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب --- وخير لنفسك عصيانها

9-: كثرة النوافل والسنن والصيام، مع المحافظة على الفرائض في أوقاتها، فقد روى أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قال الله عز وجل:"وما يزال عبدي يقترب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه".

10-: الدعاء: أن يزيد الله إيمانك وأن يصرفك عن السوء: فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الإيمان ليخلق (أي يبلى) في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم".

وأخيرا -أختي- يبدو عليك الصلاح، وأنت على فضل وخير، فابدئي ولا تتكاسلي، وقومي الآن وفورا إلى الوضوء وصلي لله ركعتين، أعلنيها توبة لله خالصة، وتخلصي من كل الأسباب التي تصرفك عن الله، ولا تهتمي بالناس ولا بحديثهم، وإنما علقي قلبك بربك تسعدين.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير، والله المستعان.

مواد ذات صلة

الاستشارات