السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعاني من نوبات هلع، كانت تأتي بشكل نادر أثناء جلوسي مع الأقارب والأصدقاء، وأعراضها: اهتزاز لا إرادي في الرأس والأقدام والأكتاف، وصراخ قصير أثناء الصلاة أو قراءة القرآن، رقيت نفسي ورقاني رقاة شرعيون وكنت دائما في وعيي أثناء الرقية، رغم الصراخ والإغماء وضيق التنفس وقتها.
منذ عدة سنوات لم أعان من نوبات الهلع إلا نادرا، وكنت أحاول تجاهلها ومقاومتها أحيانا، ولكن الأعراض التي تأتي أثناء الصلاة لم تختف كليا، ومؤخرا أصبت بمغص في بطني مع قيء وإسهال، ظننت أنه بسبب ما أكلته، لكن سرعان ما تغيرت حالتي وصارت مثل أعراض الرقية، حاولت خالتي أن ترقيني فصرخت فيها بأن لا تفعل؛ فقدت السيطرة على نفسي ولم أعرف ما بي.
أحضر أهلي راقيا للرقية، وحدثت نفس الأعراض عند كلامي معه عن سحر أكلته في الجامعة، وأنا لم أفقد الوعي لكنني أتكلم وأتحرك دون إرادتي، أخبرني الراقي بأنني بخير من الناحية الروحية، وبحاجة إلى علاج نفسي.
أود معالجة نفسي بنفسي دون دواء أو طبيب نفسي، لأن تجارب خالاتي مع الأطباء النفسيين جعلتني أنفر من العلاج عند طبيب نفسي، فكل ما يفعلونه هو إعطاء الدواء، أما العلاج السلوكي فكانت تجربة أخي فاشلة، ولم يتحسن بل أصبح أكثر عدوانية، وتحسن عندما توقف عن العلاج النفسي.
عانت جدتي من مرض الفصام، فهل الأمر وراثي؟ في بيتنا ضغوط كثيرة، وعدم تحمل والدي مسؤوليتهم، مما جعلني أحس أنني الأم في المنزل.
أحافظ على صلاتي و-الحمد لله-، إضافة إلى انضمامي لدورات علمية لأشغل نفسي، لكن النوبة الأخيرة جعلتني أفكر بأنني مريضة مثل خالاتي، وأنه لا يمكن التحكم في النوبة مستقبلا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك -أختنا الفاضلة- عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال.
أختي الفاضلة: أحمد الله تعالى لك على ثلاثة أمور: الأول أنك محافظة على الصلاة و-لله الحمد-، وثانيا: كونك مدرسة موفقة في تدريس اللغة الإنجليزية للمرحلة الثانوية، وثالثا: لاهتمامك بصحتك النفسية بعد اهتمامك بالصحة البدنية.
أختي الفاضلة: واضح من خلال سؤالك أن هناك تأثيرا قويا للعامل الوراثي، فهو ثابت تأثيره في الأمراض والاضطرابات النفسية، فقد ذكرت خالاتك وجدتك وأخاك، كل هؤلاء إما عانوا من مشكلات نفسية وتلقوا العلاج، سواء جدتك مع العلاج الدوائي، وكانت تجربتها غير سارة، أو أخوك وكانت تجربته مع العلاج السلوكي أيضا غير موفقة.
أختي الفاضلة: ما وضح في سؤالك لا يرتقي إلى الإصابة بالانفصام، وهو أمر أخطر وأصعب علاجا من نوبات الهلع، ولكن لا أدري جدتك متى تلقت العلاج الدوائي ومتى أخوك تلقى أيضا العلاج السلوكي، ولكني أريد أن أنتهز هذه الفرصة وأذكر لك عددا من النقاط:
أولا: لقد تقدم مجال الطب النفسي تقدما كبيرا، حيث إنه أصبح يوفر العلاج الفعال.
ثانيا: على حسب التشخيص قد ينصح بالعلاج الدوائي، أو السلوكي، أو العلاج النفسي المعرفي.
أختي الفاضلة: إذا كنت مصرة على عدم تناول الأدوية النفسية فهناك لا شك العلاج المعرفي السلوكي، والذي يحاول أن يتعرف على تفاصيل حياتك وطبيعة الأفكار التي تدور في ذهنك، والتي تقف عادة وراء العواطف ووراء نوبات الهلع، فلذلك إذا لم تكوني راغبة بالعلاج الدوائي فلا بأس بالعلاج النفسي المعرفي، والذي يمكن أن تقدمه لك أخصائية نفسية، وكما تعلمين أن الأخصائية النفسية لا تصف الدواء، وإنما فقط تستعمل العلاج المعرفي أو العلاج السلوكي، أو كليهما معا -وهذا هو الأفضل-، العلاج المعرفي السلوكي.
النقطة الثالثة والتي دوما أذكرها، أنه لا يوجد علاج دون تشخيص، لابد من التشخيص أولا، لذلك -أختي الفاضلة- أنصحك أن تذهبي إلى طبيب نفسي معروف بسمعته وخبرته، وفي الجزائر عدد من هؤلاء، ليضع لك التشخيص، ثم تتفاهمي مع الطبيب النفسي بأنك مثلا لا تؤيدين أن تبدئي بالعلاج الدوائي، فيمكن أن يحولك إلى أخصائية نفسية في مركزه أو في عيادته، تعطيك مثل هذه الجلسات، جلسات العلاج النفسي المعرفي السلوكي.
ولكن في نفس الوقت إن احتجت إلى العلاج الدوائي، فلا أدري جدتك ماذا كان مرضها لتتلقى العلاج الدوائي غير الناجح، فربما ما انطبق عليها قد لا ينطبق عليك، وكذلك ما انطبق على أخيك قد لا ينطبق عليك، فكل إنسان -كما نفعل عادة في الطب- نشخص ما عنده ونصف له العلاج المناسب، وبما يناسب ذلك الشخص بعينه، سواء كان علاجا دوائيا، أو علاجا نفسيا معرفيا، أو علاج سلوكي.
لذلك أنصحك ألا تترددي، ولا تجعلي التجربة السابقة لجدتك تمنعك من المبادرة وأخذ موعد مع العيادة النفسية، سواء كان طبيبا نفسيا، أو أخصائية نفسية.
أدعو الله تعالى لك بالصحة والسلامة والشفاء التام العاجل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.