السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة بعمر 28 سنة، ومخطوبة، توفي والدي وأنا بعمر 8 سنوات، وأعيش مع أمي وأخي الأكبر، ونحن في بلد غريب ليس لدينا أحد، هكذا ولدت.
أمي عصبية وإذا ناقشتها بأمور تقول لي: أنت السبب، وإذا حاورتها لا تجيد الحوار الهادئ، وأي اقتراح أقترحه ترفضه فوريا، ولأقل الأسباب، بسببها لا أخرج من المنزل لشهور طويلة، حتى عملي أعمل بالمنزل 8 ساعات متواصلة في تعليم الأطفال لأصرف على نفسي، وعلى أمي وأخي الذي يعمل أيضا لأجلنا، لكن أمي لا تقدرني أبدا، وتميز بيني وبين أخي، ولا تحب الخروج من المنزل أبدا، تريد فقط التنظيف والترتيب، ولا تريد أن تخرج حتى أني أريد أن أعزمها خارجا بمقهى عائلي، لا تريد ذلك، أتمنى أن أصنع ذكريات جميلة مع أمي قبل زواجي، وقبل أن يأخذنا القدر، أمي لا تجبر بخاطري أبدا، وبأقل الأشياء لا تجبرني فيها، أشعر نفسي وحيدة، وليس لدي أحد إلا الله ثم خطيبي.
أريد أن تكون أمي حنونة علي، وتصنع معي ذكريات جميلة؛ لأني فقدتها منذ وفاة والدي، مع الأسف ليس لدي ذكريات جميلة، وليس لدي أحد، وهي لا تريد شيئا إلا المال والتنظيف فقط، حتى أختي الأكبر مني زوجتها غصبا عنها، والآن لا أرى أختي منذ 9 سنوات؛ لأنني في بلد صعب، وبه حروب كثيرة، ولا تتوفر المواصلات حتى أخرج وحدي، أريد متنفسا أتنفس به، لا أريد فقط أن أعمل وأنظف، أريد عائلة حنونة محبة، وتصنع الذكريات، لكن هي كل تفكيرها بالأعمال المنزلية فقط، مع أنني أساعدها عليها دائما إلا بأوقات عملي، فأنا ملزمة أن أعمل، كيف أتعامل مع أمي؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك في عمرك، وأن يحفظك من كل مكروه، وسوء، وأن يسعدك في الدنيا والآخرة.
أختنا الكريمة: منذ عشرين عاما ووالدتك تتحمل مكابدة الحياة وحدها بلا زوج يرعاها، أو يساندها، أو يدفع عنها مصائب الدهر، منذ عشرين عاما ووالدتك تهتم لأمرك وتدبر حياتكم، وتسعى لرضاكم في ظل بلد فيها حروب قاسية، وأمن غائب، منذ عشرين عاما ولا سند إلا الله، ولا معين إلا الله وتتحمل المصائب وحدها وتواجه أعاصير الحياة أيضا وحدها، منذ عشرين عاما، وهي تعمل قدر طاقتها حتى حرمت نفسها الخروج من البيت خوفا عليك وحرصا.
الآن وبعد أن كبرت وأصبحت عروسا تحكامينها على حياة فرضت عليها، تحاكمينها على نمط عيش أرادته لنفسها حفاظا عليكم!
كنا نتوقع منك -أختنا- بجوار ما تفعلين من خير وما تجتهدين فيه من عمل، أن تفكري فيها أكثر من ذلك، أن تفكري كيف تعوضينها الحنان المفتقد منذ عشرين عاما، مع العلم أن ما مضى من عمرها هو زهرة شبابها وأفضل أيامها، وما تبقى هو الشيخوخة بكل ما فيها من آلام بدنية ثقيلة التبعة على امرأة تعيش وحدها بلا عائل.
أختنا الفاضلة: الخاطب الذي تقدم إليك، والذي نسأل الله أن يكون خير معين لك، وجدت منه الحنان المفتقد؟! ولكن هل عانى عشر ما عانت أمك لأجلك، وهل الحنان المفتقد محصور في كلمة رقيقة أو نزهة عابرة!
إننا نقول لك هذا الكلام -أختنا- ليس بقصد صرفك عن التمتع، وليس بقصد إبعادك عن إسعاد نفسك بالحلال، ولكنا نريد منك أن تعيشي معاناة تلك الأم العظيمة، التي لن تتكرر في حياتك إلا مرة واحدة، تعيشين تلك المعاناة حين ترككم الوالد رحمه الله صغارا في حجرها، وهي وحدها أصبحت مسؤولة عن دور الأب ودور الأم، ودور الحامي لكم، وقد نست نفسها تماما في وقت هي في أشد الحاجة إلى رجل بجوارها، تناست كل هذا وتناست معه حياتها ونعيمها وسعادتها، وجعلت حياتها وقفا كاملا عليك، وعلى أخواتك فقط، فمن الطبيعي أن يكون عالمها هو بيتها، وأن تكون حياتها هم أولادها فقط.
هكذا فرضت الحياة نفسها عليها، وقد تحملت تلك الحمالة وحدها ونجحت حتى أوصلتكم إلى بر الأمان سالمين، ولا يعلم غير الله ما الذي كابدته تلك الأم المسكينة طيلة هذه الأعوام المنصرمة.
إننا نضع لك خريطة الطريق -أختنا- في كلمتين:
الأولى: اقتربي من أمك كثيرا اقتراب المحب الذي يطمع في إسعاد حبيبه، وهو يعلم أنه أفنى حياته من أجله، اقتربي منها اقتراب من يعلم أنه مهما فعل فلن يوفيها بعض حقها ولا عشر حقها، اقتربي منها وافعلي ما يرضيها، وإن كان فيه بعض تعب لك، فأنت مستقبلة الحياة وهي مودعة لها، وشتان بين مستقبل ومودع، نسأل الله أن يبارك لكم في عمرها.
الثاني: اجتهدي أن تنجزي بعض أعمالها، وأن تجلسي معها جلسة استماع لبعض آلامها، اجعليها تحكي لك عن حياتها وعما عانته فيها، فإن تلك الشكوى مما يخفف عنها، ويجعلك متفهمة تماما لآلامها.
واعلمى أنك متى ما وصلت إلى تلك المرحلة معها من الحب، فإنك لو طلبت منها ما طلبت لن تبخل عليك بشيء، فهي أمك، أحرص الناس عليك، وأرفق الناس بك، وأكثر الناس تفكيرا فيك، تلك طبيعة الحياة، فاستغلي وجودها بجوارك.
نسأل الله أن يحفظها لك، وأن يبارك لك فيها، وأن يسعدك، والله الموفق.