السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والدي ضربني لسبب لا يذكر، سبب تافه جدا، ضربني ضربا مبرحا، وحينما أراد أن يهجم علي ليضربني مرة أخرى، حاولت الدفاع عن نفسي بإبعاده عني قبل أن يهجم علي، فظن أنني هجمت عليه وأردت أن أنال منه -للأسف-، بعد ذلك ضربني مرة أخرى ضربا مبرحا لم أتحمله.
بعد ذلك جاءت والدتي وجعلته يهدأ قليلا، لكن الصدمة الكبيرة أنه قرر حرماني من إكمال دراستي الجامعية التي دفعت رسومها مسبقا، هو الآن يجبرني على أن أذهب للجامعة سيرا على الأقدام، ومصر على عدم إعطائي مصروف المواصلات، والجامعة تبعد عن منزلنا كثيرا جدا، ووالدتي أخبرتني أن أعتذر له بالرغم من أن الحق معي، وأنني لست مخطئا، وما زال والدي مصرا على موقفه، أريد حلا لمشكلتي، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سمير حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك في عمرك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يبارك لك في أبيك وأن يرزقك بره.
نحن نستشعر تماما حديثك، ونتفهم طبيعة المرحلة التي تمر بها، والتي يمر بها كل من في عمرك، فلست خارج السرب -يا أخي-، لكن الشباب في مثل عمرك على ضربين:
1- قسم لا يرى إلا نفسه، ولا يسمع إلا عقله، ولا يجد لغيره عذرا، بل ربما جره شيطانه في عمره إلى الاحتقار والازدراء والنظر بفوقية إلى كلام أبيه، وكأنه رجل من عالم آخر، وهذا القسم ينسيه الشيطان ما فعل أبوه لأجله، وما تعب من أجل أن يعيش حياته سعيدا، ينسى هذا القسم كم تعب والده في تربيته، وكم بذل ماء وجهه لأجل أن يجلب له ما يريد أو ما يتمنى، يتناسى هذا القسم -يا أخي- فضل الوالد، وربما لا يعرف قيمته إلا بعد رحيله، وساعتها الندم الذى لا ندم بعده.
2- قسم آخر يستحضر تعب والده وضغوط الحياة عليه، وكبر سنه، فلم يعد يتحمل ما كان يتحمل قبل ذلك، يستحضر أن الوالد عنده اليوم وغدا الله أعلم بالحال، يستحضر أن رضا الله عنه في رضاه، يستحضر أن البر ثمنه الجنة، وأن العقوق ثمنه غضب الله والخزي في الآخرة، يستحضر أن العقوق هو الذنب الوحيد الذي لا بد أن يستوفى من العاق في الدنيا والآخرة، هذا القسم -يا أخي- لا ينظر إلى من المصيب ومن المخطئ، بل دائما يبادر بإرضاء الوالد جزاء ما قدم، وقبل ذلك لأجل رضوان الله تعالى عليه، هذا القسم -يا أخي- هو الرابح في الدنيا والآخرة.
ودعنا نتفق على أن هذا السلوك من الوالد غير مجد في التعامل الصحيح، لكن أليس من الأولى البحث عن الأسباب التى دفعته لذلك وإزالتها؟ وقد ذكرت أن الأمر بسيط ولا يستحق، والأولى والأجدر ما دام بسيطا أن تبادر أنت بإصلاحه حتى لا يغضب الوالد فيفعل ما لا يريد أو يرتضي.
أخي الكريم: اعلم بارك الله فيك أن أصدق الحب وأعلاه حب والدك لك، هو حب فطري لا يتغير، وغدا سترزق أولادا وستذكر حديثنا جيدا.
أخي الفاضل: إن بر الولد لأبيه ليس مرتبطا بإحسان الأب له، فليس الوالد مكلفا شرعا بالنفقة عليك بعد أن بلغت وصرت رجلا، بل أنت المطالب شرعا بالنفقة عليه، بأن تعمل وتريحه من تعب الحياة، أنت المكلف شرعا بالبر إليه، والتودد له، والإحسان له، ولو كان الوالد كافرا، بل حتى لو حرضك على الكفر، قال الله عز وجل: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)، فطاعتك للوالد وبرك به واجب شرعي أمرك الله به، وأنت مأجور على ذلك، ومعاقب على ضده.
أخي الكريم: اعلم بارك الله فيك أنا لا ندعوك إلى الاعتذار الفوري فقط، بل إلى ما يلي، وتلك والله نصيحة خالصة لله، فاعمل بها أو اتركها، فإن الديان موجود، والأعمار تركض:
1- عاطفة الأب لا تتغير، فحتى وإن ضربك فهو أبوك، وأنت قطعة من قلبه إن لم تكن قلبه كله، وعليه فإن أول ما ندعوك إليه هو مد جسور الصلة بينك وبينه، والحديث معه كلما سنحت لك الفرصة، سواء بلقاء أو هاتف أو مراسلة، المهم أن تكون منه قريبا، أن تكون ظهره الذي يستند عليه، أن يستشعر أنه أنجب رجلا يعتمد عليه.
2- اجتهد في البحث عن الأسباب التي ترهقه أو تغضبه واجتهد في إزالتها.
3- التمس لوالدك العذر كلما أخطأ، وفرق دائما بين المحبة والخطأ حتى تهدأ نفسك.
4- احرص على عدم فعل ما يكرهه وتجنب إغضابه، وكن طوع يده وأول من يبادر إلى تنفيذ طلباته.
بادر بهذا دون أن تنتظر مقابلا، احرص أن تفعل هذا بنية القرب من الله، والحرص على محبة والدك، لا بنية أن ينفق عليك أو يعيدك إلى جامعتك، ثق أنه سيفعل ذلك لأنه يحبك، ولكن أنت لا تفعل ذلك بهذه النية البسيطة.
وفقك الله لكل خير.