السؤال
السلام عليكم.
أنا متزوجة، ونسكن مع أخو زوجي في بيت واحد، لنا خصوصية في غرفة النوم فقط، وكل يوم نذهب منذ الصباح حتى المساء لبيت أهل زوجي لخدمتهم في كل أعمال البيت، من طبخ وتنظيف وغسيل ثياب، وعندما أشكو لزوجي هذه العيشة الخالية من الخصوصية ومن التعب الكثير الذي أعاني منه عند خدمة أهله، يلومني بحجة أن أهله ينفقون علينا، فهل واجب علي أن أخدم أهله بحجة أنهم ينفقون علينا؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إنصاف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.
أختنا الفاضلة: لا يخفاك أن الحياة الزوجية تفرض على المرء أن يتحمل من أجل العبور منها سالما، والعاقل أختنا من ينظر إلى الواقع ويبصر العواقب، ويقارن بين ما يتحمل وما لا يتحمل، العاقل -أختنا- هو من يوازن المصيبة الأشد والأخف، فيتحمل الأخف من أجل أن يبتعد عن الأشد والأقسى.
والحياة كلها مجبولة على الكدر والتعب، ليس في الحياة نعيم دائم ولا شقاء مستمر، فأنت تعانين خدمة أهل الزوج، وغيرك تعاني فقد الزوج، وغيرك تعاني المرض العضال الذي لا دواء منه، وغيرك تعاني الطلاق ونظرة المجتمع لها وحتى نظرة صديقاتها لها، كل هذا أمر طبيعي في دار الكدر، دار الابتلاء التي خلقنا الله فيها ليبتلينا أينا أحسن عملا.
هذه طبيعة الحياة، جبلت على ما فيها من حزن وسرور، وفرح وترح، والعاقل من يأخذها بحلوها ومرها؛ لأن ذلك طبعها، كما قال الشاعر:
جبلت على كدر وأنت تريدها ** صفوا من الآلام والأكدار
ومكلف الأشياء ضد طباعها ** متطلب في الماء جذوة نار
والمسلم -أختنا- له فلسفة في التعامل مع الأحزان والأفراح، إنه يتعامل معهما على درجة سواء، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشره بأنه في كل منهما مأجور، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"، فكل أمر ألم بك من مكروه يساعدك على الخروج منه أن تؤمني أن الصبر عليه أجر.
هذه الكلمات منا لا تنفي الحكم الشرعي القاضي بأن الزوجة غير ملزمة بمساعدة أهل زوجها إلا في حدود المعروف وقدر الطاقة، وهذا منها على سبيل الاستحباب إكراما لعشرة زوجها وبرا به.
هذا -أختنا- عن الحكم الشرعي، ونحن بعد أن بينا الحكم الشرعي لك ننصحك بما يلي:
أولا: الاتزان النفسي الداخلي بأن تتذكري الأشياء الجيدة في حياتك والتي أنعم الله بها عليك، بجوار ما أنت عليه؛ حتى يحدث الاتزان.
إن بعض الناس -أيتها الفاضلة- أنعم الله عليهم بأشياء كثيرة لكنهم في خضم التفكير في المشكلة يتناسون تلك النعم، فإذا سلبت منه أحدها تذكر وندم، نحن نريدك أن تذكري محاسن الزوج بجوار المساوئ، ومحاسن حالك مقارنة بالأقل منك وساعتها سيبدأ الاتزان المرجو.
ثانيا: حددي المشكلة بدون مبالغة أو تهويل، وابتعدي عن تضخيم المشكلة كأن ليس لها حل، كل مشكلة لها حل إما الإزالة وإما التقليل من الآثار مع التعايش معها، فاجتهدي ألا يمر يوم إلا وأنت تصلحين مشكلة ولو صغيرة، وابدئي باليسير، وتعايشي مع ما لا تستطيعين اليوم تغييره حتى يأتي يومه.
ثالثا: تعاملي مع أهله على أنهم أهلك، واجتهدي في ترك تلك الحساسية، وأوجدي لهم مساحة حب في قلبك، فإن المرء قد يفعل مع أهله أضعاف ما يفعل أهل زوجه ولا يجد تعبا، وهذا من الراحة الداخلية، اجتهدي أن تزرعي تلك المحبة بينكم، وستولد مع الوقت والإحسان.
رابعا: احتسبي الأجر في كل عمل تقومين به، واستحضري أن امرأة دخلت الجنة بسقيا كلب، فكيف بمساعدة مسلمين وهم أهل زوجك!
خامسا: لا تجعلي زوجك في صراع مع أهله، فإن هذا يفقده الاتزان ويفقده الحكمة، ولكن اجتهدي في الإحسان إليه وإليهم، وثقي أن لهذا أثره الطيب على حياتك، فالإنسان أسير إحسان، وقد قال الله: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ۚ ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، المهم أن تفعلي ذلك وأنت تريدين وجه الله وتتلمسين رضاه.
هذا وصيتنا لك، ونسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك من كل مكروه.
والله الموفق.