السؤال
أنا شاب، عمري 28 سنة، منذ 28 سنة وأنا غير مرتاح في حياتي، وكل مرحلة من حياتي أكرهها، وأتمنى أن تنتهي بأسرع وقت.
أنا إنسان هادئ جدا، ولا أتكلم كثيرا، وحساس ولا أتحمل الكلام والنقد، أشعر بالكثير من القلق والتوتر على أتفه الأشياء، وإذا كان هناك شيء يشغل بالي، أظل أفكر فيه، وأخاف مما سيحدث، أنا وحيد، ليس لدي أصحاب، ولا زملاء، حتى أهلي أعيش معهم، ولكن أتعامل معهم بسطحية. حاولت أن أكون صداقات، لكن لم أتمكن.
بصراحة: لا أتحمل الناس ولا أطيقهم، ولا أحب الهذر والكلام؛ لأنني إنسان عملي، أحاول تجنب الناس، حتى المواقف، وأي شيء أحاول تجنبه، لا أعرف كيف أعبر عن مشاعري، ولا أحب مواجهة أحد حتى لو كان هو المخطئ، ولا أستطيع الانتقاد أو العتاب.
كما قلت: أنا إنسان عملي، أسعى وأتعب، وأحاول أن أقدم أقصى إمكانياتي في عملي، لكن بدون فائدة، لا أشعر بتقدير، ولا أشعر أن هناك مقابلا لتعبي.
أنا مؤمن بالله كثيرا جدا، طوال الوقت أتوكل على الله وأناجيه؛ لأنه الوحيد الذي كان معي طوال 28 سنة، أتحدث مع الله أكثر من أي شخص آخر، وأؤمن بالقدر، وأؤمن بالصبر.
الحمد لله أصلي وأستغفر، لكن مع ذلك حالي بعيد عن الله، وكل ما أفعله بلا فائدة، صابر منذ أكثر من 7 سنوات، معتقد أن الله سيسهل الأمور وسيحلها من عنده، وسيدبر أموري، لكن وصلت إلى مرحلة يأس وقنوط وخذلان؛ لأن الله عز وجل هو الوحيد الذي كنت أعتمد عليه.
أحيانا أفكر أن الدنيا تسير على قوانين معينة، لا يهم إذا كنت مؤمنا بالله أم لا، تسير على العلاقات، والكلام الجميل، واللف والدوران على الناس.
أشعر أنني غير مناسب للحياة وأنها غريبة عني، وأتمنى الموت.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمرو حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
وبخصوص ما تفضلت به أخي الكريم، فإننا نحب أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: إننا نحمد الله إليك حسن علاقتك بالله، ونحمد الله إليك إرادتك التغيير، وهما متى ما استمسكت بهما، نعني التوكل على الله وإرادة التغيير؛ فقد هديت الطريق الصحيح.
ثانيا: أنت أخي دون الثلاثين من عمرك، وعليه، فاليأس لا ينبغي أن يكون له وجود في حياتك، فهذا السن يساعد لو بدأت التغيير من الآن على حل مشاكلك في وقت قصير.
ثالثا: أنت إنسان عملي، وهذه نقطة إيجابية، ويجب استثمارها، لكن الإيجابية لا تعني الانعزال عن المجتمع، ولا تعني التعامل مع الناس بسطحية، فخبرات الناس حتى البسطاء تحتاج إليها في واقع حياتك، لذا لا نريد الربط بين كونك إنسانا عمليا، وبين التعامل السطحي، فالناس مع الناس.
رابعا: رسالتك -أخي- تدل على تشتت واضطراب وغياب للهدف المراد، مع عدم استعانة بمن حولك، ولعل هذا يفسر لنا المشكلة التى لم تتحدث عنها أصلا، فقد خلت رسالتك حفظك الله من الحديث عن المشكلة، وإنما طيلة الرسالة كان الحديث عن أعراض تلك المشكلة.
خامسا: اليأس -أخي- قرين الفشل، ولو قيل للشيطان ما أمضى أسلحتك وأشدها فتكا لقال: اليأس؛ لأنه ببساطة يعمل على غياب الدافعية للتغيير، وهذا بدوره يؤدى إلى ضعف الإرادة؛ وساعتها تنهار النفس عند مواجهة أدنى حادث سلبي، وربما يكون طبيعيا عند الغير، لكن لغياب الدافعية للشعور باليأس يقبع الإنسان في مكانه ويتخذ أحد أمرين:
1- إما التسخط على المجتمع والنرجسية الزائدة عن الحد.
2- أو الدخول في حالة اكتئاب وعزلة، والعيش في المدينة الفاضلة التي يصنعها له خياله، بالتعاون التام مع الشيطان المتربص به.
سادسا: فرصتك -أخي الكريم- للتغيير للأفضل كبيرة وكبيرة جدا، فأنت والحمد لله من الناحية البدنية لست مصابا بما أصيب به آخرون في مثل عمرك، نسأل الله لك السلامة، وإذا قلبت النظر حولك وجدت الأعمى الذي لا يحسن الخروج من بيته إلا مع شخص يقوده، ووجدت القعيد الذي لا يقوى على السير، ولا يستطيع النهوض، ووجدت المريض الذي ربما لا يجد حتى ثمن الدواء، والأحوال كثيرة وكثيرة جدا.
والناس أمام هذه الابتلاءات -أخي الكريم- على قسمين:
1- قسم يغرق في مشكلته ظنا منه أنه أبأس الناس، وأشد الناس ظلمة، وأكثرهم ابتلاء، وهذا لا تجده إلا منزويا، أو منعزلا، أو شاكيا حاله، أو ساخطا على المجتمع، المهم أنه يظل في تلك الدائرة، وقطار عمره يسير وهو لا يشعر، حتى إذا بلغ الخمسين بدأ يدرك مشكلته، ولكن في مرحلة أصبح التداوي معها ثقيلا على النفس؛ لأنه يحتاج إلى عامل الوقت وقد فر الوقت منه، ومع ذلك نقول لهؤلاء- نعني أهل الخمسين- لو بقي يوم واحد في حياتكم لاستحق أن تعيشوه صوابا.
2-القسم الآخر وهو القسم الناجح: يحدد المشكلة، بل ويجعل من همه وحزنه دافعا إلى التغيير، ومن الحزن قائدا إلى السرور والفرح؛ لأنه في خاصة نفسه يعلم أنه ما ابتلي إلا لحكمة ولا صبر إلا بعون، فالعبد في ذاته لا يقوى على الصبر، ولكن الله من فضل رحمته هو من يصبره ويحميه، ويبدأ في استخدام كل الملكات الخاصة به، ويستعين بعد الله بأهله ومجتمعه، وهذا لا يمر عليه يوم إلا وهو يحقق إنجازا ولو كان بسيطا.
سابعا: إن الإصلاح والتغيير -أخي الكريم- ممكن، بل واجب عليك، وهذه الخطوات ستساعدك -إن شاء الله تعالى- إذا ما وجدت إلى عقلك وقلبك مكانا، وبدأت تطبيقها:
1- الاتزان النفسي الروحي: وهذا لا يكون إلا بتعميق الإيمان الداخلي، وتقوية صلتك بالله عز وجل، والانصراف الفوري من دائرة اليأس والخمول إلى دائرة التفاؤل والعمل، فالقلب الصالح -أخي- لا يجتمع فيه إيمان ويأس، ولذلك قال الله: (ولا تيئسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون) [يوسف:87].
قال أحد السلف: لولا الأمل ما بنى بان بنيانا، ولا غرس غارس غرسا.
ولا تيأسن من صنع ربك إنه.. .... ..ضمين بأن الله سوف يديل
فـإن الليالي إذ يـزول نعيـمهـا.. .... ..تبشــر أن النائبــات تزول
ألـم تـر أن الليـل بعـد ظلامــه.. .... ..عليـه لإسفار الصباح دليل
2- الإيمان التام بأن كل شيء في الكون بقدر، وهذا يدفعك إلى بذل أقصى ما عندك؛ لأن الإيمان بالقدر يدفعك للعمل، وقد قرن الله بهما في آيتين متتاليتين فقال: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور).
3- تعميق الإيمان بالقضاء والقدر بمفهومه الصحيح، وتربية النفس على التوكل على الله، ونعني بذلك: أن يعتمد القلب في تحقيق النتائج على الله مع الأخذ بالأسباب المشروعة، وبذل الجهد الممكن للوصول إلى الأهداف المنشودة.
4- تنمية الثقة بالنفس والانخراط مع الناس، وتقبلهم على ما هم عليه، فستجد البر والفاجر، والصادق والكاذب، والأمين والخائن، والهروب من الواقع لا يفيد، ومهمتك في تعميق صلتك بأهل الصلاح وتحمل بعض زلاتهم، فلسنا ملائكة كما أنك لست كذلك.
5- الخلوة مع الله ولو في ركعتين كل ليلة، وبث نجواك لربك، والإكثار من الأدعية، وخاصة هذا الدعاء: في صحيح البخاري عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت أسمعه كثيرا يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن وضلع الدين، وغلبة الرجال).
هذا بجوار الإكثار من الاستغفار، وذكر الله في اليوم والليلة، وخاصة الأذكار التي تقال في الصباح والمساء وبعد الصلوات، وعند النوم، وتجدها وغيرها من الأذكار في كتاب: حصن المسلم.
6- البحث عن رفقة صالحة أمر مطلوب وبشدة، ولا تقل لم يعد في الناس خير، فالخير موجود إلى قيام الساعة، ومن قال: (هلك الناس فهو أهلكهم) كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، فابحث -أخي- عن صحبة صالحة، وخاصة في المساجد، فإنهم خير معين بعد الله تعالى على الاستقامة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.
7- استعن بأهل الخبرة في سوق العمل من الصالحين، وأبدأ في تحديد هدفك بوضوح، واتخذ من الوسائل ما يحقق الهدف، وأبدأ التنفيذ مع الصبر، وحسن معاملة الناس، كل الناس.
هذه -أخانا- وصايانا لك، ونرجو الله أن تستعين بها، وأن تصلح أول ما تصلح علاقتك بأهلك، وخاصة أبويك، فهما أمان لك وبرهما واجب عليك، نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك.
والله الموفق.