السؤال
السلام عليكم.
أريد أن أسأل ثلاثة أسئلة؛ حيث أشعر بشتات الذهن فيها، مع أن الإجابة واضحة والمنطق لها معروف، أريد أن أعرف أكثر من وجهة نظركم للمواضيع:
أولا: كلما أقترب من الحق والطريق المستقيم أنتكس وأرجع بإرادة نفسي؛ لأني أقول في نفسي لماذا الناس لا تعرف الحق مثلي؟
أنا أعلم أن الطريق شخصي، والكل سيحاسب فردا، يوجد أشخاص متدينون وهم عاقون لوالديهم، وفيهم كبر، ومن أجل ذلك كرهت نفسي، فأنا أعلم وأعمل الصواب دائما.
ثانيا: كنت أسأل نفسي هل المنافقون والذين يشربون الخمر ويزنون ويكذبون...إلخ من الأعمال الشريرة وليست الخيرة هل هم في سعادة؟ وهل هم راضون عن أنفسهم؟ لأنني كنت بعالمهم مدة سنة، ولكن لم أجد السعادة مثل ما وجدتها مع الله، لماذا هم متشبثون بهذا الطريق؟ وهل فعلا هم بسعادة وأنا لم أعرفها أو أجدها بطريقهم، أم أنني أصعب على نفسي طريق عودتي لله؟
السؤالان يكفيان عن باقي الأسئلة، والإجابة عليهما سهلة -إن شاء لله-، وأشكركم على استماعكم لي، وأعتذر على الإطالة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ فهد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به.
وبخصوص ما تفضلت به فإن السؤال الأول قد أجاب عليه الإمام ابن القيم رحمه الله فقال:
عليك بطريق الحق وﻻ تستوحش لقلة السالكين، وإياك وطريق الباطل وﻻ تغتر بكثرة الهالكين.
فاعتبار الكثرة والقلة -أخي الكريم- ساقط، ويمكنك أن تبحث عن كلمة أكثر الناس في القرآن، ستجد بعدها (ﻻ يعلمون) أو (ﻻ يشكرون) أو (ﻻ يؤمنون).
ولو بحثت كذلك عن كلمة (أكثرهم) فستجد بعدها (فاسقون) أو (يجهلون) أو(معرضون) أو (ﻻ يعقلون ) أو (ﻻ يسمعون)، وهذا يظهر لك الميزان الدقيق الذي تزن به القلة والكثرة، وسيدفعك هذا إلى الثبات على الحق حتى لو كنت وحدك، بل استمع معنا إلى هذه الآيات:
{وقليل من عبادي الشكور}، {وما آمن معه إﻻ قليل}، {ثلة من اﻷولين وقليل من اﻵخرين}.
هل انتبهت الآن أخي الكريم لماذا وأنت في الطريق تدهش لقلة السالكين، ولعل عجبك يزول بالكلية إذا علمت أعداد أهل الجنة والنار، اقرأ معي هذا الحديث الصحيح: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: (يا آدم ، فيقول لبيك وسعديك ، والخير في يديك ، فيقول : أخرج بعث النار . قال : وما بعث النار ؟ قال : من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين ، فعنده يشيب الصغير ، وتضع كل ذات حمل حملها ، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ، ولكن عذاب الله شديد ) نسأل الله السلامة والعافية.
أما الشق الآخر من حديثك: لماذا أعمل الصواب وغيري لا يستطيع، فذلك فضل الله عليك، ربما لصلاح والديك قبلت دعوة منهما فيك، أو لصلاحك أنت وحرصك على الخير، المهم تيسير الله لك الطاعة نعمة يجب أن تحمد الله عليها كثيرا.
نأتي بعد ذلك إلى سؤالك الثاني: هل أهل المعاصي في سعادة وهل هم راضون عن أنفسهم؟
هم أصناف كثيرة، وحديثنا الآن حديث عام.
هم يشعرون بسعادة مزيفة، سعادة وقتية، سعادة ليست حقيقية، سعادة متوهمة، وإن لم يدركوا ذلك.
وربما تقابل أحدهم، ويقسم لك بالله أنه سعيد بالمعصية وسعيد بالزنا -عياذا بالله- نحن أخي نصدقه! أتدرى لماذا؟ لأنه لم يعرف المعنى الحقيقي للسعادة.
دعني أضرب لك مثالا ليس مطابقا لما نحن بصدد الحديث عنه لكنه تقريبي أخي الكريم:
لو أن شابا اعتاد ركوب الطائرة ويقطع دائما المسافات بها، ثم فجأة قيل له: ستقطع المسافة القادمة بسيارة خربة متهالكة تسير ببطء شديد وصوت مزعج! ونفس هذه السيارة الخربة كان يركب معه شاب آخر اعتاد المشي على قدميه وأول مرة يركب سيارة تقطع الطريق وهو جالس فيها.
أي الرجلين سيكون مسرورا؟
بالطبع من لم يعتد نعيم الطائرة ولا يعرف النعيم الآخر سيكون في سعادة لكنها لا تعادل عشر معشار السعادة الأخرى التي نتحدث عنها.
السعادة الحقيقية لا ينالها إلا من عرف الله -سبحانه وتعالى- وسلك طريقه، فهو سبحانه الذي يملك القلوب، وهو القادر أن يسكب السعادة في قلبك سكبا، كما وعد سبحانه؛ فقال: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [ النحل: 97 ].
نرجو أن تكون الإجابة واضحة ونحن في انتظار أي سؤال منك أو استفسار، ونسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك والله الموفق.