أخواتي لا يساعدنني في القيام على أختنا المعاقة .. بِمَ تشيرون عليّ؟

0 38

السؤال

أنا امرأة توفي والداي، وأنا في العشرين من عمري، إخوتي الذكور لم يتحملوا مسؤوليتي أبدا، وكانت عندي أخت صغيرة أصيبت بإعاقة، فكرست حياتي لها، أخواتي البنات كن متزوجات، ولم أكن أجد أحدا لأحكي له، فاعتمدت على نفسي؛ لأن أخواتي كن يقلن إن أزواجهن لا يسمحون لهن أن يساعدنني، وكنت أتفهم ذلك، لكن منذ سنتين مرضت مرضا خطيرا، فاتصلت بأختي الكبرى لكي تأتي لتبقى مع أختي المعاقة، لكنها تحججت بأن زوجها منعها، وأنه كان سيطلقها بسببي! غضبت بشدة وقلت لها إنها بصراحة طول هذه السنوات لم تكن سندا لي في أي وقت، وكلما طلبت منها أن تبقى مع أختنا المعاقة، تجيبني أنه ليس دورها أن تهتم بنا، وأنها لن تدمر زواجها من أجلي، فهل يجوز لزوجها أن يمنعها من مساعدتي في مرضي؟

مع العلم أن أختي في الستين من العمر، وأبناؤها رجال، والآن أحس أنني مدمرة؛ لأن حياتي ضاعت في القيام بشأن أختي المعاقة، وإخوتي الذكور لم يقوموا بدورهم، والإناث يقلن إنه ليس من دورهن مساعدتي، وحتى أبناؤهن ليسوا ملزمين بذلك؛ لأن حديث الخالة في منزلة الأم لا يخص إلا الحضانة في حالة وفاة الأم.

المشكلة أنني كنت أساعدهن طيلة حياتي، والآن أواجه نكران الجميل.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هوام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك أختنا الكريمة في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم البر الرحيم أن يجزيك خير الجزاء، وأن يكتب الله لك الأجر كاملا، إنه جواد كريم بر رحيم.

وبخصوص ما فعل إخوانك وأخواتك، فلا شك أنهم محرومون من الخير الكثير، وإنا كنا نعتب على أخواتك مع تفهمنا كذلك لموقف أزواجهن السلبي، فإن العتب الأكبر يكون على الإخوة الذكور، إذ هم شرعا المكلفون بتلك الرعاية، ولو كانوا يقرؤون استشارتنا لقلنا أكثر من ذلك، لكن دعينا نتجاوز كل هذا -أختنا الكريمة- ونقف عند كلمة ذكرتيها، تحتاج منا إلى تبيين، إذ هي أهم ما في رسالتكم من وجهة نظرنا: وهو قولك: (والآن أحس أنني مدمرة؛ لأن حياتي ضاعت في القيام بشأن أختي المعاقة) وهذا القول يكون مقبولا من أخواتك وإخوانك الذين لم يستثمروا في أخواتهم لآخرتهم، ولم يقبلوا عطية الله لهم، وضاعت عليهم تلك الفرصة التي لن تتعوض أبدا، ولو بكوا العمر كله على فوات هذا الخير عنهم ما أغنى ذلك عنهم شيئا.

أختنا الكريمة: نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"، فانظري يا رعاك الله أجر من قام على مسلم، وفرج كربته، كيف من سعى في قضاء حاجة مسلم، وإذا كان كل هذا الفضل مع المسلم البعيد، فكيف بالمسلم القريب، بل كيف بالمسلم القريب المعاق!

أختنا الكريمة: ماذا تساوي الدنيا وما فيها ومن فيها بموقف واحد بين يدي الله، بكربة واحدة من كرب يوم القيامة، وما كرب الدنيا كلها بالنسبة لكرب الآخرة؟ لا شيء -أختنا- لا شيء.

كرب الآخرة شيء عظيم، يدلك على بعضه قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة, عما أرضعت وتضع كل ذات حمل, حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) [الحج: 1- 2] وقوله: (فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا * السماء منفطر به كان وعده مفعولا).

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قيد ميل أو اثنين، قال الراوي: لا أدري أي الميلين عنى، أمسافة الأرض أم الميل الذي يكحل به العين؟ قال: فتصهرهم الشمس، فيكونون في العرق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه إلى عقبه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجاما ".

كل هذا الكرب أختنا الكريمة، وفي هذا اليوم الذي: (لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب, سليم) لا ينفسها إلا عمل ما عملت، وإعانة من أعنت، فاستشعري هذا الموقف الرهيب، ثم استمعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طريق النجاة وهو يقول: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، لتدركي ما أنت عليه من خير.

أختنا الفاضلة: الخير لا يتوقف فقط عند هذا التفريج- ولو توقف عنده لكفى- ولكن الأجر أعظم من ذلك بكثير: فبرك بأختك وإعانتك لها من المعروف، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد من العمر).

والمصرع: هو مكان الموت، فيقي الله من يحسن إلى الغير بقضاء حوائجهم من الموت في مكان سيء، أو هيئة سيئة أو ميتة سيئة، وهذا فضل عظيم وخير كبير، قد منحك الله تعالى إياه، ونسأل الله أن يكتب لك هذا الخير تاما.

أختنا الكريمة: هل تعلمين أن ما تقومين به من خير هو الطريق لمحبة الله تعالى لك، استمعي معنا لهذا الحديث، عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة ـ حتى يثبتها له ـ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والطبراني وغيرهما، وحسنه الألباني.

أي نعيم أختنا بعد هذا النعيم، وأي فضل حباك الله تعالى به بعد هذا الفضل الذي لا مزيد عليه، هل تعلمين فضل محبة الله لك أختنا الفاضلة، اقرئي هذا الحديث القدسي لتعلمي: (.. وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، وقدمه التي يمشي بها، وإذا سألني لأعطينه، وإذا استغفرني لأغفرن له وإذا استعاذني أعذته...)، فاحمدي الله على العافية، واشكريه أن أعانك حتى فعلت ما ينبغي فعله وما عجز الآخرون عن فعله، ولعل الله اختصك بهذا الفضل لمكانة عظيمة أعدها لك.

وعليه أختنا الكريمة، فإننا ننصحك بما يلي:

1- استحضار الأجر كلما هممت بفعل شيء لها، وكلما ضاقت بك الدنيا، وكلما شعرت بالخذلان، استحضري الأجر واطلبي من الله العون.

2- إن كان من أهل الخير من يستطيع أن يحدث إخوانك وأخواتك وأزواجهم، فلا حرج من ذلك، ولعل الله يرقق قلوبهم، ليتدراكوا أخطاءهم ويصححوا أوضاعهم.

3- استعيني على ما أنت عليه بكثرة التقرب لله، وكثرة ذكر الله عز وجل، وثقي أن الله لا يخيب عبدا احتمى به.

وأخيرا: نسأل الله أن يصلح أخواتك وأزواجهم وإخوانك، وأن يكتب لك الأجر كاملا، وأن يعينك عليه.

والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات