السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد سؤالكم: أنا كمسلم مطالب بتعمير الأرض والعلم والسعي، والزهد في الدنيا والتقشف، ومما لا شك فيه أن التفكير في الدنيا والانشغال بأمورها سوف يشغلني عن الزهد والتقشف، والمعروف أن الإنسان العملي لابد أن يقلل المشاعر والرحمة والإنسانية، فهل هذا يتعارض مع أفكار الدين والتي كلها رحمة وإنسانية؟ مثلا في العمل والتعامل مع الناس لو أدخلنا الرحمة والتسامح في كل شيء، لا يمكننا قياس الأمور بميزانها، وسنطالب دائما بالتسامح وعدم إغضاب الآخرين، وأن نفترض النية الحسنة في كل شيء.
وهناك أحاديث تدعم هذا الشيء: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا)، (يا بن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك)، أشعر بأن هناك تعارض، ولا أعلم كيف أتصرف، وهل أقضي يومي بالعمل أم الصلاة والذكر؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Omar حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.
المسلم -أيها الحبيب- ينبغي أن يكون حريصا على ما ينفعه في دينه ودنياه، فهذه وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)، وتعمير الدنيا قد يكون نافعا إذا أحسن الإنسان توظيفه واستغلاله، فالدنيا مطية نركبها لنصل إلى الدار الآخرة التي هي الحياة الحقيقية الدائمة، وهذه الحياة التي نعيشها على الأرض، مزرعة نزرع فيها ما سنحصده غدا.
وإصلاح هذه الدنيا هو إصلاح للآخرة، فليس بين تعمير الأرض وإصلاحها، وبين إصلاح الدين والعمل للآخرة أي تعارض من وجهة نظر الإسلام، فإن الله سبحانه وتعالى خلقنا في هذه الأرض وطلب منا عمارتها، كما قال: (واستعمركم فيها)، ولكن لا نعمرها لذاتها فإنما نعمرها لما يترتب على تعميرها من إصلاح الحياة التي بصلاحها تصلح أعمالنا، التي تؤهلنا للسعادة الأبدية بعد الموت، فنعم المال الصالح بيد الرجل الصالح كما ورد في الأحاديث، وليس مطلوبا من الإنسان المسلم أن يعرض عن الدنيا تمام الإعراض، وإنما يطلب منه أن لا تسيطر هذه الدنيا على قلبه، فيصبح عبدا لها، فقد قال -عليه الصلاة والسلام-: (تعس عبد الدينار).
وبهذه النظرة المتوازنة والمتكاملة يعيش الإنسان المسلم حياة مستقرة، فالدنيا تدور في يده ولم تملأ قلبه، وهذه هي حقيقة الزهد، أن تكون الدنيا في يدك لا في قلبك، وقد كان بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، تراه كثير المال كما حصل لعثمان -رضي الله تعالى عنه-، والذي اشترى بأمواله جنة عرضها السماوات والأرض، حتى أخبر -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم)، وأخبر بأنه ما نفعه مال كما نفعه مال أبي بكر، وحال عبدالرحمن بن عوف لا يخفى على أحد.
وأما ما ذكرته -أيها الحبيب- من أنه لا بد للإنسان ليكون عمليا من تقليل مشاعر الرحمة والإنسانية، كلام فيه نظر ولا يسلم بإطلاقه، فأعظم البشرية محمد -صلى الله عليه وسلم- كان أكثر الناس رحمة بالإنسان بل وبالحيوان، والله سبحانه وتعالى يأمر بالعدل، والعدل معناه وضع الأشياء في مواضعها، وإعطاء كل ذي حق حقه، وأما افتراض النية الحسنة في كل أحد فهذا أمر لم يطلبه الشرع، بل الشرع يطلب منك أن تكون إنسانا حازما فطنا ذكيا فلا تخدع ولا تخدع، ولكن الشرع يأمرك باجتناب الظن السيء، الذي لم تقم قرائن تدل عليه، وما ذكرته -أيها الحبيب- من الحديثين، فالأول إنما هي مقولة تنسب إلى الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-، وليس حديثا نبويا، وأما الثاني فهو حديث قدسي، ومعناه صحيح، وإن كان في صحته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كلام كثير.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لما فيه الخير.