السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم.
لدي مشكلة وأرجو منكم الإفادة، أنا فتاة عانيت في طفولتي مما جعل شخصيتي الآن ضعيفة وخجولة وحساسة جدا: كان والدي يعاملنا بقسوة شديدة، ويحرمنا من أبسط حقوقنا، فمهما شرحت لن أستطيع أن أعبر عن قسوته، حرمني من اللعب مع أقراني، دائما يحسسني وإخواني بأننا عبء ثقيل جدا عليه، كنا وما زلنا نخاف منه، لا يعطينا حق التعبير عن أرائنا، أنا شخصيا لا أجرؤ حتى النظر إليه والكلام معه، لا ألعب لا أتكلم لا أضحك لا أعبر عن نفسي هل أنا مرتاحة أو متضايقة، ولو أني أتحدث مهما أتحدث فلن أعبر عن كل مشاعري.
لكن أقول: إن أبي قتل فينا كل شيء جميل، حرمني من طفولتي، لدرجة أنى لا أشعر الآن تجاهه بالحب، وكما عاملني بقوة في طفولتي ومراهقتي وبدون حنان وحب لم أبادله ولن أبادله أي حب، ولا أحس أنني سأفتح قلبي يوما لأحبه، مع أن معاملة أمي لا تختلف كثيرا عن معاملته، واليوم أنا متزوجة والحمد لله، لكن التربية التي تلقيتها ما زالت تؤثر في.
أنا خائفة على زواجي أن ينهار جراء هذه المشكلة، وأخاف أن تؤثر في سوء التربية وقسوة والدي على تربية بنتي، وتصبح هي بدورها تعاني من قسوتي وهي لا إرادية، التي أرغمني والدي على أن تغرس في لتكون عبئا علي وعلى زوجي وعائلتي الصغيرة، وهل أبي وأمي يأثمان على هذه التربية، للعلم فكل إخوتي أثرت فيهم هذه المعاملة، ولهم نفس الشعور.
فما هو الحل كي أنسى هذا الماضي المؤسف فلا يؤثر على أطفالي وزوجي الذي احتمل الكثير لأنه يحبني؟
أرجوكم أريد منكم الجواب الشافي، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ وردة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يقدر لك الخير، ويسدد خطاك، ويلهمنا جميعا رشدنا، ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!
إن الوالد بتصرفاته كان يريد الخير لكم والنجاح في حياتكم، لكنه أخطأ الطريق كحال بعض الآباء والأمهات، فأرجو أن تلتمسي له العذر، وتحمدي الله الذي حفظك ورعاك ورزقك الزوج والولد.
واعلمي أن ما حصل من الوالد لا يبيح لك التقصير في حقه، كما أن معاملة الأم السيئة لا تجوز لك الإساءة إليها والتقصير في حقها، وأرجو أن تفتحي لهم قلبك لأنهم في كبرهم يحتاجون إلى أبنائهم، ومهما فعلوا فإنهم سيظلون آباء وأمهات، فتعوذي بالله من الشيطان، وأوصي إخوانك ببرهم والإحسان، فإن بر الوالدين عبادة يؤجر عليها الإنسان، وليست معاملة تجارية تكون بالمقابل أو حسب ردود الأفعال.
وليس من الإنصاف أن يدفع الزوج والأولاد ثمن تلك التصرفات والمعاملة القاسية، وأرجو أن تمنحي أولادك ما حرمت منه، حتى لا تمتلئ قلوبهم بالغيظ والضيق إذا كبروا.
والصواب أن يتذكر الإنسان اللحظات الجميلة في حياته، وأن ينظر للمستقبل بروح جديدة وأمل جديد، ويجتهد في عبادة ربه المجيد، فالإنسان لا يملك أن يرجع عجلة الزمن إلى الوراء، فاحمدي الله الذي عصمكم من الهروب من المنزل والانحراف، كما هو حال كثير ممن يقسوا عليهم أهلهم ويحرمونهم من جرعات العطف والحنان، فيضطرون للبحث عنها في الخارج، حيث قرناء السوء وشراك الفساد.
والذي تذوق مرارة القسوة هو أكثر من يعرف قيمة الرفق، فاتقي الله في نفسك وفي زوجك وأطفالك، واعلمي أن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ولا على ما سواه، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (الرفق ما كان في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه).
فلا تنظري إلى الوراء، ولا تقولي: لو كان كذا وكذا، ولكن رددي بلسان أهل الإيمان: قدر الله وما شاء فعل، واعلمي أن (لو) تفتح عمل الشيطان، وهم الشيطان (( ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله ))[المجادلة:10]، وحاولي أن تنظري في أحوال أهل المصائب وسوف تهون مصيبتك، وافهمي أن الدنيا هي دار الأكدار والأقذار، وأنه لا راحة لأهل الإيمان إلابدخول الجنان والفوز برضوان الله الرحيم الرحمن.
وأبشري فإن الزوج هو أول من يقدر ظروفك السابقة، فاعرفي له قدره، واطلبي رضاه فإن ذلك من طاعة الله وهو جنتك ونارك، واعتدلي في التعامل مع طفلك، فإن المطلوب هو الاعتدال، ولا يقل خطر الدلال الزائد عن مفاسد القسوة والشدة وخير الأمور أوسطها.
والله ولي التوفيق والسداد!