السؤال
السلام عليكم.
فتاة انفصل أبوها وأمها منذ 9 سنوات، وبعد الانفصال مباشرة تزوجت الأم مرة أخرى، وانتقلت للعيش في بلد أوروبي مع زوجها الجديد، أما الفتاة فبقيت منذ حينها في حضانة جدتها في البلد العربي، وهي الآن ابنة 20 عاما.
الأم مؤخرا انفصلت عن الزوج الثاني، وتعيش بابنتيها منه في البلد الأوروبي، ثم قامت الأم أيضا بإصدار إقامة لابنتها التي تعيش مع جدتها في البلد العربي لتأتي وتعيش معها (الأم) في البلد الأوروبي، فهل ينبغي على الفتاة أن تلحق بأمها؟ أم تبقى مع جدتها؟
إن لحقت بأمها فالمصلحة المرجوة هي مساعدة أمها، حيث أن أمها تواجه ضغوطا نفسية كبيرة في العمل، وضغوطا جراء الانفصال حديثا عن زوجها الثاني، وضغوط الوحدة الطويلة المستمرة، حيث ليس لديها صديقات أو معارف في ذلك البلد، وكان زوجها هو أنيسها الوحيد، وتواجه ضغوطا أيضا لصعوبة تربية ابنتيها الصغيرتين على القيم الإسلامية في بلد أوروبي، وفوق ذلك كله، فسوء حالتها النفسية المستمر يجعلها مهددة بسحب البنتين منها من قبل سلطات ذلك البلد.
ويحظر طليق الأم سفر البنتين، فلا تستطيع الأم الخروج من البلد الأوروبي ما لم تتخل عنهما، فيخشى على دين الأم وسلامتها العقلية، وعلى بناتها من ذلك كله، وأما إن انضمت لها ابنتها الكبرى، فستجد من يملأ عليها وحدتها ويساعدها في تربية بناتها، ويدفع عنها وعن بناتها ما يخشى، أو بعضه.
أما المفسدة: فهي خروجها من البلد العربي المسلم، على مساوئه وتضييقه على المسلمين، وأنهن سيعشن بلا محرم في البلد الأوروبي، مع العلم أن البلد الأوروبي لا يفرض عليهن قيودا في نقاب أو حجاب، ومن المفاسد أيضا أن الابنة ستفتقد ثواب رعاية جدتها، وهو ما تقوم به الآن، هل تبقى الفتاة أم تسافر؟ وإن كان كلاهما مباحا، فما الأقرب لرضى الله؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يختار لك الخير حيث كان.
وبخصوص سؤالك: فنحن لا نعلم مدى قربك من الفتاة من عدمها، وهل لك سلطان عليها، أو تستمع إلى حديثك أم لا، بمعنى هل أنت من محارمها الذين تثق بهم وتستمع لهم، أم أنك وسيط، أم ماذا؟ فموقعك من الفتاة كان يهمنا، لأن درجة التغيير ستختلف، لكن دعنا نجيبك أنت، ونخبرك رأينا، وأنت بحكم الموقع تستطيع تكييف الجواب:
أولا: اعلم بارك الله فيك: أن الأصل في حكم السفر إلى بلاد غير المسلمين: هو المنع، وقد ورد النهي الصريح بذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم:( أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين)، وقد جوز أهل العلم السفر لضرورة ملحة، كعلاج ليس إلا في بلادهم، ولا خشية على دينه أو نفسه، الشاهد أن المنع هو الأصل، نظرا للدليل الموجود، والاستثناء للضرورة، وهي تقدر بقدرها.
ثانيا: من المهم كذلك -أخي الكريم- أن تصل لها رسالة أن الحياة هناك ليست كما تتصورها الفتاة، وهذا الحديث منا حديث من عاش وجرب، فليس لها سلطان على أختيها البتة، ولو أرادتا أن تفعلا ما تراه هي جريمة لن تستطيع منعهما، فالزعم بأن وجودها فيه مصلحة لهما، هو أمر ظني، والخروج من اليقين إلى الظن، ليس منهج أهل الحكمة.
ثالثا: الأصل تقديم دفع المفاسد على جلب المصالح، والمفاسد من ذهابها إلى هناك متحققة، والضرورة كذلك غير موجودة، فإذا أضفنا إلى ذلك وجود جدتها التي تفانت في تربيتها، والتي هي اليوم وحيدة بدونها، فإن ما نراه أن تبقى مع جدتها ولا تهاجر إلى هناك، حتى لو كانت في بلادها بعض المضايقات، فإن تبقى في بلد مسلم ظالم، لكن تقيم دينها، وتحفظ عرضها وأخلاقها، أولى من القيام في بلد لن تراعي دينها، ولا قيمها قطعا.
رابعا: برها بوالدتها واجب عليها، ولذلك من البر أن تتواصل معها يوميا عبر الوسائط الاجتماعية، وأن تدعوها للنزول إلى بلدها مع والدتها، وأن ترعاهم هي، فهذا أفضل وأسلم.
خامسا: من حق الفتاة بعد سن الثامنة عشرة أن تحدد البلد التي تريد الذهاب له، فلتعمل من الآن، وتجتهد أن تتواصل مع أختيها، وأن تعلمهن محاسن الدين والشريعة، وأن تربطهن بالأخلاق القويمة، وبذلك تساعد والدتها وهي في بلدها.
نسأل الله أن يبارك فيكم وأن يحفظكم، وأن يقدر لكم الخير حيث كان، والله الموفق.