السؤال
السلام عليكم.
متى نبدأ بتحفيظ الطفل القرآن الكريم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله العظيم أن يصلح لنا ولكم النية والذرية.
فإن الطفل ينتفع من قراءة والديه للقرآن وهو في بطن أمه، كما ثبت ذلك في أحدث الدراسات، وينتفع بتلاوة والديه للقرآن بعد أن يخرج للحياة؛ حيث تبدأ حاسة السمع في العمل، قال تعالى: (( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع ))[النحل:78] ولذلك فنحن نسارع إلى ترديد كلمات الأذان لنطرد الشيطان، ونبعث الفطرة الكامنة في الإنسان، وذلك ميثاق في سالف الأزمان، أخذه رب العزة على بني الإنسان، كما جاء في القرآن: (( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ))[الأعراف:172].
وقد ثبت أن الطفل الذي تقرأ والدته إلى جواره القرآن، يصبح من أسرع الطلاب حفظا لكتاب الله؛ لأنه يعتاد على المقاطع ويألف الكلمات القرآنية، ومن هنا تتجلى عظمة الشريعة التي لا تريد لبيوتنا أن تكون قبورا، ولكنها تريدها نورا بقرآننا وصلاتنا: (لا تجعلوا بيوتكم قبورا واجعلوا فيها من صلاتكم وقرآنكم).
فإذا وصل عمر الطفل إلى ثمانية أشهر، فإنه يبدأ في نطق الكلمات مثل (بابا، ماما)، وهنا لابد للمربي أن يعلمه الكلمات العظيمة مثل لفظ الجلالة، ثم كلمة التوحيد كاملة، مع حرصنا الشديد على أن لا يسمع الطفل إلا خيرا، وأن لا يشاهد إلا كل جميل وحسن، ثم تأتي مرحلة الحفظ بعد تعليمه الحروف وطريقة نطقها، والاجتهاد في تكرار السور معه، وهناك أشرطة تعليمية جميلة للشيخ المنشاوي (مكرر)، وكذلك للشيخ الحذيفي وغيرهم من المشايخ الكرام.
ولا شك أن قدرات الأطفال متفاوتة، فأرجو الانتباه لذلك، والحرص على التشجيع المستمر، وعلى غرس حب القرآن في نفسه، مع ضرورة أن تهتموا أنتم أيضا بمسألة الحفظ حتى يجد الجو المناسب للحفظ في البيت.
وأرجو أن أنبه إلى ضرورة تنويع أساليب الحفظ، وإعطاء الطفل فرصا للعب، وأنجح أوقات الحفظ هو ما كان بعد لعب يسير وعواطف جياشة، وتشجيع من والديه، وقد أشار إلى ذلك الإمام الغزالي، واشترط أن يكون لهوا يحبه ويستريح به من تعب القراءة.
كما أرجو أن أنبه إلى أن تكون مدة الحفظ مناسبة لسن الطفل؛ لأنه من الظلم للطفل الصغير أن يجلس ساعات طويلة في مكان واحد؛ فإن ذلك قد يجلب له الملل ويعطل قدرته على الحفظ والفهم.
ثم تأتي مرحلة الحفظ المنتظم، وأرجو أن يصاحبها ترغيب وتشجيع واهتمام ومتابعة.
ونحن نشكر لكم حرصكم ونعلن لكم سعادتنا بهذا الاهتمام، ونتمنى لكم التوفيق على الدوام، والسير على خطى وهدى خير الأنام، وبشرى لمن يرغب في غرس شجرة القرآن في نفوس الصبيان، ليأمنوا – بحول الله وقوته – من الخسران؛ فإن حفظ القرآن يرسخ العقائد كما قال ابن خلدون في مقدمته التي طارت بذكرها الركبان.
ونسأل الله أن يجعل الصلاح ميراثا في ذرياتنا وذراريكم إلى يوم الدين.
والله الموفق.