محتارة بين مواصلة عملي الوظيفي وبين تَركِه.

0 29

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة بعمر 26 عاما، أعمل منذ 5 سنوات، خلال هذه الفترة انتقلت من عمل إلى آخر في نفس المنشأة، بهدف البحث عن الراحة النفسية في مكان العمل، والابتعاد عن الإهانات، وضغط العمل، ومن يتجاوز الحدود معي أثناء العمل.

أردت كثيرا أن أترك العمل وأستقيل كي أستريح أولا ثم أبحث عن عمل آخر في منشأة أخرى، خاصة أنني غير مسؤولة عن أسرة أو أبناء.

كلما أقبلت على هذه الخطوة نصحني أهلي جميعهم بالاستمرار بالعمل، لأنه لا يوجد أحد يجد هذه الفرصة.

منذ أن تخرجت من الجامعة تقدم لطلب الزواج بي الكثير، ولم يحدث نصيب، وأغلبهم يرغبون في الزواج من أجل أنني أعمل، في وظيفة، وسأساعد في المال، لأن الحياة والأسعار أصبحت غالية، ويحاول الأهل إقناعي أن الجلوس في المنزل شيء ممل ومرهق، وأنا مقتنعة تماما أن الذهاب للعمل به مشقة أكبر، وأني بذلك سأكون مقصرة في حق المنزل والأسرة لأنه لا بد من التوازن إذا كان الرجل سينفق على المنزل، فالمرأة تدير المنزل وترعاه في غيابه، حتى تكون قادرة على الوفاء بحق الزوج.

دائما أنا في حيرة من أمري، هل أستمر في العمل المرهق هذا، وفي الوقت نفسه أبحث عن عمل آخر كي لا أضيع سنوات الخدمة، وكي يتقبلني أهلي أم أترك العمل نهائيا، وأتحمل الكلمات والعبارات التي قد أسمعها من الأقارب والأهل بأنني غير مقدرة للنعمة؟

أشعر دائما بأني غير حرة، وأن أشياء كثيرة تخصني في الحياة يتحكم بها أهلي، كأنني لا أملك الاختيار!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مسلمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

دعينا -أختنا الكريمة- نبدأ من جملتك الأخيرة، لأنها هي الكاشفة لأكثر ما تمرين به من مشاكل، تقولين حفظك الله: (أشعر دائما بأنني غير حرة، وأن أشياء كثيرة تخصني في الحياة يتحكم بها أهلي، كأنني لا أملك الاختيار).

هذا الشعور وحده -أختنا- كاف لتكدير حياتك، كاف لبعث روح الانهزامية النفسية عندك، وإنا نخشى أن يكون هذا الشعور منعكسا في حياتك كلها، لذلك من المهم أن تسألي نفسك: إذا اختلفت مع أحد أو بدأ بمسألة النصيحة، هل تشعرين بهذا الشعور أم لا؟

أختنا الكريمة: إن الأهل وخاصة أبويك هم أحن الناس عليك، وأحرص الناس على مصلحتك، وأكثر من تعبوا لأجلك، ولم يعان أحد في حياتك لأجلك مثلما عانوا، فالحديث عن حياة تخصك دونهم، وأن نصيحتهم لك تحكم، هذا مدخل من مداخل الشيطان، يريد أن يحزنك به، فانتبهي، يرعاك الله.

أختنا الكريمة: دعينا نضع السؤال أمام أعيننا، ثم بعد ذلك نعالجه معالجة علمية، ونرجو أن يكون هذا ديدن حياتك في معالجة مشاكلك.

السؤال: لا أشعر براحة نفسية في عملي، وقناعتي أن المرأة مكانها الطبيعي تربية الأبناء، هل أترك العمل رغم معارضة أهلي، أم أستمر فيه رغم شعوري بعدم الراحة؟

طريقة التعامل الجاد مع المشاكل تتضمن ما يلي:
1- توصيفها من غير تضخيم لها ولا تهويل.
2- الموازنة بين المصالح التي فيها والمفاسد بدونه.
3- هل الحاجة إليه ضرورة ملحة أم لا؟ وهل هناك بدائل أم لا؟
4- هل يمكن التعايش معها عند الحاجة إليها، وكيف يمكن التقليل من آثارها؟
5- ما هي المعينات النفسية التي تعين على تجاوز المشكلة؟

هذه الخمسة هي الطريقة الأصح للتعامل مع أي مشكلة في حياتك أختنا الكريمة، مع الأخذ في الاعتبار أن استشارة الأهل أو غيرهم من أهل الاختصاص توفر كثيرا عليك، وتقربك من الرأي الأصوب.

عودة إلى سؤالك -أختنا الفاضلة- فإننا نجيبك من خلال ما يلي:

1-الراحة النفسية لن نجدها في هذه الحياة كاملة، لأنها دار كدر وابتلاء، لا بد أن يبتلى الإنسان فيها، وأن يصيبه من لأواء الحياة ما يمتحن به، وعليه فالابتلاء ملازم للفرد، سواء كان في عمله أو تركه ورحل إلى بيته، أو حتى تزوج، أو أنجب، لن نجد في دارنا نعيما دائما، كما لن نجد حزنا مستمرا، بل الحياة مزيج من هذا وذاك، والعاقل -أختنا- من يدرك ذلك، فيبدد غيوم الابتلاء بالإيجابيات القائمة فيه، حتى يحدث عنده التوازن.

2- قد ذكرت أن العمل فيه إهانات وتجاوز البعض الحدود معك، وهذا الكلام حمال ذو وجوه، فإن كان تجاوز الحد معك تقصدين به دفعك إلى ما حرم الله تعالى، فإنا ننصحك فورا بالرجوع إلى والدك ورغبتك في البحث عن عمل آخر فيه من الضوابط الشرعية ما يحفظ دينك، وإن كان براتب أقل، وإن كان ما تجدين هو طريقة معاملة للجميع، جراء خطأ هنا أو تقصير هناك، فإننا ننصحك بالتعامل الإيجابي مع هذا التجاوز، ويكون ذلك بزيادة الإتقان في عملك، مع الاجتهاد في وضع حواجز تحول بين من يتجاوز في حقك وبينك.

3- الزواج -أختنا الفاضلة- استقرار للمرأة، نعلم ذلك، لكن لا ينبغي أخذ قرار في حاضر لغائب متوهم، نعم نحن معك في أن الأفضل للمرأة رعاية بيتها وتربية أولادها، ولكن أين الزوج الذي يريد ذلك، وأين الأولاد الذي تريدين الموازنة بينهم وبين عملك؟ ولذا عليك أن تبعدي تفكيرك وأنت تعالجين مشكلتك عن أمور أدخلها الشيطان، مما يحزنك بها وليست موجودة.

4- حديث والديك عن الملل المصاحب لجلوس الفتاة في بيتها له ما يدل عليه، بل هناك ما هو أكثر من الملل، ورسائل -أخواتنا الفاضلات- تؤكد هذا المعنى، فكثير منهم يشتكي مرارة الفراغ، وما ترتب عليه من معاص ما كانت موجودة عندهن، وبعضهم يبحث صباح مساء عن عمل يكفيهن ماديا ويبعد عنهم هذا الفراغ المؤلم.

إننا ننصحك -أختنا الكريمة- بما يلي:

1- لا تتركي عملك القائم واستمتعي بنصائح والديك، نقول لك استمتعي وليس استمعي فقط، لأنهما من دون الخلق أجمعين من يشعران بك وينصحانك حبا فيك وحرصا عليك.

2-إن كانت نفسيتك الآن متضررة فننصحك بالحديث إلى والديك وأخذ إجازة، ولو لمدة شهر، لتغيري بها تلك النفسية.

3- قال تعالى: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) هذه آية من كتاب ربنا، وما وجدنا الخير إلا فيه، وما وجد غيرنا الضرر إلا بالابتعاد عنه، وأنت مسلمة تعرفين فضل البعد الإيماني في استقرار النفس، لذا ننصحك -أختنا- بورد ثابت من الأذكار، وكذا من قراءة القرآن، ويمكنك أن تجعلي الذكر على لسانك وأنت تعملين، ستجدين تغييرا في حياتك بهذا السلوك.

4- تعاملي مع نصيحة والديك بحب، وخذي بها برا بهما، والتماسا للأجر من الله، واتركي عنك تلك المساحة التي تفصل بينك وبين أهلك، وتجعل لك خصوصية تصرفك عنهما، فأنت بعضهما يا أختي.

5- شاركي أبويك كل المعوقات التي تقابلك، واذكري كذلك الإيجابيات، وثقي أنهم أحرص عليك منك، وأخوف عليك من نفسك.

هذه نصيحتنا لك، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك وأن يقدر لك الخير، والزوج الصالح، إنه ولي ذلك ومولاه، والله المستعان.

مواد ذات صلة

الاستشارات