السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكركم على هذا الموقع المتميز، وأدعو الله أن يجزيكم خير الجزاء على ما تقدمونه.
أنا طالبة وأدرس التاريخ الإسلامي، وأحضر لرسالة الماجستير، وقد اخترت الموضوع وأتممت إعداد الخطة والحمد لله، وموضوعي عن كتاب السنن الكبرى للإمام البيهقي، وهو عبارة عن استخراج أحداث عصر الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- من خلال أحاديث هذا الكتاب، وأريد منكم أن تنصحوني بأسماء بعض الكتب التي يمكن أن تساعدني في بحثي، وبعض النصائح والإرشادات التي تفيدني، حيث إنني إلى الآن لا أعرف كيف أبدأ البداية العلمية الصحيحة في البحث.
أرجو المساعدة، ولكم جزيل الشكر.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فرح حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فنسأل الله أن يرزقك العلم النافع والعمل الصالح، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن ينفع بك بلاده والعباد.
فإن من الأمور المحزنة أن يكون تاريخ هذه الأمة العظيمة قد كتب بأيدي المخالفين أو بأقلام دعاة الشعوبية والقومية، بل إن تاريخنا لم يسلم من تدخل المستشرقين والمنصرين، ولذلك لا بد لكل دارس للتاريخ أن يراعي ما يلي:
1- إحسان الظن بصحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وحمل ما كتب عنهم على أحسن المحامل.
2- مراعاة المعاني القرآنية والثوابت الإسلامية عند دراسة وفهم التاريخ.
3- فهم الأحداث وتفسيرها وفق منهج أهل الإيمان الذين يراقبون الله ويعلمون أن الدنيا معبرهم إلى الآخرة.
4- عرض الروايات التاريخية على مناهج المحدثين، وتسليط الأضواء الكاشفة على المتون والرواة، والتركيز على معرفة عدالتهم أو ضعفهم.
5- ملاحظة أهداف من كتبوا في التاريخ لأن الخلافات أثرت على بعض الرواة.
6- إبعاد التعبير المادي لتاريخنا الذي يصور السلف على أنهم كانوا طلاب غنائم ونساء أو متعطشين للدماء، وينسى هؤلاء مقولة ربعي بن عامر رضي الله عنه لقائد الفرس: (وإسلامكم أحب إلينا من قتلكم) ويرد عليهم زهد الصحابة في الغنائم حتى قال عمر رضي الله عنه وهو يستعرض غنائم فارس: (إن قوما أدوا هذه لأمناء) فقد كانوا يكثرون عند الفزع ويقلون عند الطمع.
7- الإنصاف يقتضي ذكر المحاسن إلى جوار السلبيات إن وجدت، وكفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه، وهذا منهج نبوي حيث قال لعمر رضي الله عندما أراد أن يقتل حاطب بن أبي بلتعة: (دعه يا عمر فلعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
8- فهم طريقة السلف في التأليف التي كانت تجمع كل ما ذكر في الموضوع مع حرصهم على الإسناد الذي يدل على الكذابين والوضاعين، ولكن يؤسفنا أن نقول لقد جاء بعدهم من لا يفرق بين الكاذبين والصادقين، ولا يراقب الله رب العالمين.
9- التماس الأعذار لصحابة النبي الأبرار.
10- الكف عن الصحابة وغض الطرف عما شجر بينهم، وما أحسن ما قاله عمر بن عبد العزيز: (تلك دماء طهر الله منها أيدينا فلن نلوث بها ألسنتنا) وقد ضلت فرق كثيرة بإساءتها للصحابة، وقد أرادوا أن يجرحوا شهودنا فالجرح بهم أولى، ومنهجنا أن نحترم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ونعرف لآل البيت قدرهم ومنزلتهم.
ولا يخفى على أمثالك أن أنجح البحوث هو ما سبقه إطلاع واسع حول ما كتب في الموضوع، ثم تأتي مرحلة التجميع للمادة ثم الترتب والصياغة، وأرجو أن تهتمي بما كتبه أبو بكر ابن العربي في كتابه العواصم، وكذلك ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية، مع ضرورة الاهتمام بمنهج الإمام الذهبي الذي كان آية في الإنصاف، مع ضرورة الاهتمام بما ورد في الصحاح والمسانيد، فإن أصح ما جاء في هذا الجانب هو ما ذكر أصحاب السنن، وقد تميز البخاري كعادته بدقة العرض، حيث كان يعتمد في الغالب روايات أبطال المواقف، فيروي حادثة الإفك على لسان أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، مع وجود روايات أخرى، وهو بذلك ينقل الأحاسيس والمشاعر.
وقد أشار لبعض من هذا الدكتور أكرم ضياء العمري، الذي نوصي بمؤلفاته، كما نوصي بالاهتمام بأشرطة الدكتور عبد الرحمن المحمود، وأشرطة ومؤلفات الشيخ عثمان الخميس، ومؤلفات الدكتور عبد العزيز الحميدي، بالإضافة إلى المشاريع التي تقوم بها عدد من الجامعات الإسلامية في هذا المجال.
والمسلم يحب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ويتقرب إلى الله بحبهم، بل إن حبهم دليل على صدق المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم.
ونسأل الله أن يجمعنا بهم في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
ونسأل الله أن يوفقك وأن ينفع بك الإسلام والمسلمين، وأن يجعل ما نكتبه حجة لنا لا علينا، وأن يرزقنا جميعا الإخلاص في أقوالنا وأفعالنا وأحوالنا.