غيرت أسلوبي في معاملة والدتي، فهل هذا من العقوق؟

0 28

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

بارك الله فيكم، أولا: كما هو موضح أنا شاب عمري 17 سنة، -الحمد لله- أنا ملتزم ولكن عندي مشكلة وأخاف أن تفسد عملي كله: أمي لا تحترمني، ولا تعير انتباها لكلامي، وتسبني وتقلل من قيمتي، وهذا دفعني إلى استشارة أحد الأشخاص، ووجدت الحل عنده.

كنت في السابق لا أرفض لأمي أي طلب، وكنت تحت خدمتها، ولهذا السبب لم أكن أجد أي احترام في الأمور الجادة، وفي المقابل أخي الأكبر الذي يرفع صوته عليها تحترمه وتقدره وتأخذ كلامه، ومنذ أن بدأت في ترك التودد الزائد، وصرت أعاملها مثل معاملتي للغير، ولكن باحترام أكبر، مثلا: أضع لها حدودا، لا أتودد لها، أقول: لا؛ إذا لم أرغب في فعل ما تطلبه مني، لا أحاول الضحك والمزاح معها؛ لأنني إذا فعلت فلن تهتم بكلامي، وسبحان الله في المقابل وجدت ما كنت أبحث عنه، بدأت تحترمني، وتهتم لكلامي، ماذا علي أن أفعل؟ هل هذا من العقوق؟ وإذا كان نعم، فكيف أترك هذا الشيء وأكسب الاحترام دون أخذ الذنوب؟

أنا أصلي في المسجد، وأصلي الوتر والنوافل، هذا الموضوع الوحيد الذي تبقى لي، علما بأن أمي في الأربعينات من عمرها، وليست طاعنة في السن حتى تحتاج لخدمة زائدة، أو أنها لا تعني ما تقول من الكلام كما يفعل أغلب كبار السن.

مشكورين، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ف.م حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، ونسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به، إنه جواد كريم.

أخي الكريم: إننا نحمد الله إليك تدينك، ونشكر الله التزامك وحرصك على معرفة ما يجوز وما لا يجوز، وهذا يدل على خير فيك، نسأل الله أن تكون ذلك وزيادة .

أخي الكريم: لا يخفاك أن برك بوالديك هو أعظم مشروع لك في الحياة بعد التوحيد، وهو أسرع طريق لك إلى مرضاة الله تعالى، كما أن العقوق -أخي الكريم- أقصر جسر إلى غضب الله تعالى، ومن العقوق كلمة (أف)، وهي تدل على الاعتراض والتذمر؛ وهذا يعني أنها لو طلبت منك حاجة فأجبتها لكن رأت في وجهك كراهية الفعل مع عدم الاعتراض لكان هذا عقوقا أخي.

وكيف يقدم مسلم يرجو الله والدار الآخرة أن يفكر في كلمة (أف)، وهو يسمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما، فلم يدخل الجنة.

- ويقول: إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات....
- ويقول: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه... .
- ويقول: ثلاثة حرم الله -تبارك وتعالى- عليهم الجنة: (... والعاق...).

والآن حدثنا يا أخي: أي السؤالين ينبغي أن يطرح: هل تريد الطريق إلى الجنة ببر الأم، أم الطريق إلى الاحترام بالاقتداء بالعاق؟ -أخي الكريم- إننا ندعوك أن تغير بوصلة السؤال ليكون: كيف أرضي والدتي وأستيقظ صباحا ليفتح الله لي بابا إلى الجنة؟ نجيبك بقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: (ما من مؤمن له أبوان، فيصبح وهو محسن إليهما، إلا فتح الله له بابين إلى الجنة، ولا يسخط عليه واحد منهما، فيرضى الله عنه حتى يرضى، قيل: وإن كان ظالما؟ قال: وإن كان ظالما).

أخي الكريم: بعدما قدمنا هذه المقدمة الواجبة نحب أن نقول لك ردا على سؤالك ما يلي:

- إذا كانت أم وعندها أبناء وأرادت أن تطلب من أحدهم، أو تفرغ غضبها في أحدهم؛ من تختار الأم؟ تختار الأقرب إلى قلبها، والأحب إلى فؤادها، والأطوع إلى نفسها.

تلك حقيقة -يا أخانا-، قد كنت قبل ما مضى الأقرب إلى قلب أمك، لذا كانت تعاملك بلا مقدمة ترضيك، بل كانت تؤمن أن لها من المكانة في قلبك ما يجعلها تتجاوز تلك المرحلة، ولكن وبعد أن وجدت منك ما وجدت وبدأت تنزل من تلك المكانة أصبحت ومن يقول: لا، في كفة واحدة، فهل ربحت اليوم؟

سل نفسك هذا السؤال: هل ربحت إذا وجدت الاحترام ولم تجد المكانة التي كانت لك عندها؟ هل فعلت ما يوازي كلمة (أف) فدخلت في دائرة العقوق؟ ماذا لو وجدت الاحترام صباح مساء ونلت غضب الله عليك أو غضبها؟
وعليه فما فعلته مع الوالدة وإن طيب خاطرك لا يجوز، وإننا ننصحك بما يلي:

1- الرجوع إلى ما كنت عليه من التعامل الجيد معها حتى لو قل الاحترام كما تقول.

2- التماس الأجر من الله ونيل رضاه كلما طلبت منك أمرا، أو وجهت إليك انتقادا.

3- يمكنك الحديث معها في وقت تكون فيه مستعدة لتحدثها عن رغبتك في أن تعاملك بالطريقة التي تحبها، المهم أن يكون ذلك بينك وبينها، وأن يكون في وقت مناسب، وأن يكون بعد مقدمة تبين لها مكانتها عندك، وحبك لها وحرصك عليها.

4- ألا تنظر إلى من هو دونك في البر، بل انظر إلى من هو أعلى منك في البر، هناك من يقبل قدم أمه كل صباح، وهناك من أنواع البر ما لو ذكرناها لك لعلمت أنك تحتاج إلى جهد أكبر في برها وخدمتها.

هذه نصيحتنا لك: وهي لوجه الله خالصة، واعلم أن البر دين، والعقوق دين، وما من كبيرة يعجل الله لصاحبها العذاب في الدنيا مع عذاب الآخرة: إلا العقوق، والبغي، وأنت -والحمد لله- شاب صالح ونرجو لك الخير، فعد إلى ما كنت عليه، واطلب من والدتك بهدوء أن تعاملك بما تحب، وستجد منها التجاوب -إن شاء الله تعالى-.

نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات