السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة، عازبة، عمري ٣٠ سنة، حافظة لكتاب الله، ملتزمة بالصلاة والصيام والأذكار، أنهيت تعليمي الجامعي.
والداي يرفضان تزويجي، ويريدان مني أن أتوظف، وأنا أرفض الوظيفة تماما، فكلما تقدم لي شخص يرفضانه بحجة أني مريضة، وأنا في الحقيقة مرضي حزن على حالي، فمن حقي أن أبني بيتا وأسرة.
قبل فترة تقدم لي شخص، حافظ للقرآن، لكنه متزوج، فرفضوه؛ لأنه متزوج، ولا أتمكن من التكلم، فألجأ للبكاء والحزن والقهر على حالي، لكن ثقتي بربي سبحانه وحده فقط، أدعوه بأن يرزقني الزوج الصالح المصلح، وأن يرزقني منه الذرية الصالحة، لكن تارة أصاب بالإحباط، وأرى أن والدي عائق أمامي، حتى أني أشعر بكره شديد لهما في قلبي.
صرت عصبية وبشدة، ولا أحد يشعر بي، أنا بحاجة إلى أن أحصن نفسي في زمن كثرت الفتن فيه، فالحرام الحصول عليه سهل، والحلال صار صعبا جدا.
فهل لي من نصيحة تجبر كسر قلبي، وتجعلني أكثر قوة وصبرا لله سبحانه وحده، ولا أستسلم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم كيان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك ابنتنا العزيزة في استشارات إسلام ويب.
أولا: نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك، وتسكن إليه نفسك، وأن يعفك بالحلال عن الحرام.
ونحن نتفهم المعاناة التي تعيشينها –ابنتنا الكريمة– ولكننا على ثقة من أن الله تعالى لن يضيعك، فبرك بوالديك وحياؤك منهما ونزولك عند رغبتهما؛ كل ذلك عمل صالح يدخره الله تعالى لك، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا.
ووصيتنا لك أن تأخذي بأسباب الرزق، وأعظمها على الإطلاق تقوى الله سبحانه وتعالى، والمداومة على التوبة والاستغفار، فقد قال الله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا}، وقال: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب}.
فتوجهي إلى ربك باضطرار وصدق واسأليه حاجتك، فإنه سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، ويده سحاء الليل والنهار، لا تنقصها نفقة، ولا يعجزه سبحانه وتعالى أن يحقق لك آمالك، وهذا لا يعني ترك الأخذ بالأسباب الحسية، فإن الله سبحانه وتعالى بنى هذا الكون على قانون الأسباب، فهناك مقدمة وثم نتيجة وسبب ومسبب، فثقتك بربك واحد من هذه الأسباب، وتقواك لله تعالى سبب آخر.
ومن الأسباب أن تحاولي إقناع والديك، وألا تكتمي هذا في نفسك، وإن كان يصعب عليك الحديث مع أبيك، فإنه يسهل عليك أن تتكلمي مع أمك، أو أن تتكلمي مع قريباتك، كخالاتك أو عماتك، ممن تستطيعين البوح لهم بما في صدرك.
ويمكن التوصل إلى حل وسط تتحقق به مصالح الجميع، فإن كان الوالدان يحتاجان منك النفقة والعمل من أجل الإنفاق عليهما فيمكن أن تتزوجي وتعملي في نفس الوقت عملا يليق بك وتساعدين والديك بما تقدرين عليه، وهذا حل أفضل من البقاء على ما أنت عليه.
وظننا أن هذا يمكن القبول لدى جميع الأطراف، فلن تعدمي زوجا أو رجلا يقبل بأن يتزوجك مع خروجك للعمل، وأن تواسي والديك بجزء من راتبك، فحاولي أن تضعي هذا الحل وأن تقنعي به من حولك من القريبات والقريبين، ليضعوا هذه الفكرة على والديك.
حاولي أن تستعيني بكل من له تأثير على والديك من الأعمام والأخوال إذا استطعت ذلك.
وبالجملة فإن جهرك بحاجتك لأمك نراه أمرا يسيرا سهلا، فلا تترددي فيه، وأظهري لوالديك كمال البر والرحمة والحرص عليهما، وعديهما خيرا بأنك وإن تزوجت فإنك لن تضيعي حقوقهما.
فإذا كان الله سبحانه وتعال قد قدر ألا تتزوجي قريبا وأخر عنك هذا الطلب فاعلمي أن الله سبحانه وتعالى أعلم بمصالحك وأرحم بك من نفسك ومن أمك، فقد يقدر عليك ما تكرهينه، ولكن يقدره لعلمه سبحانه وتعالى بأنه الخير لك، وقد قال في كتابه الكريم: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
وبإمكانك أن تحولي الحرمان من الزواج إلى نعمة عظيمة في حياتك، بأن تستغلي وقتك وعمرك فيما يعود عليك بالنفع، سواء في دنياك أو في آخرتك، وستجدين في الاشتغال بما ينفعك ما يسليك عن التفكير السلبي وعن الاشتغال بالأحزان، فينبغي أن تدافعي أقدار الله تعالى بعضها ببعض، وأن تحرصي على ما ينفعك امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز).
وكل ما تكرهين مما يقدره الله تعالى عليك، فإن لك فيه أجرا كبيرا يدخره الله تعالى، والله يجزي الصابرين بغير حساب، فلا تظني أبدا أن شيئا يضيع من المعاناة التي تعيشينها، والحزن الذي يتسلل إلى قلبك، فكل ذلك ابتلاء واختبار وامتحان، لكن الله تعالى سيعقبه إن شاء الله بالظفر والفوز والنجاح، إما عاجلا وإما آجلا، وإذا رأيت ثواب صبرك يوم القيامة فإنك ستتمنين من أن الله تعالى لم يعطك شيئا مما كنت تتمنينه في الدنيا، وهذا قادم لا محالة، وسنقف عليه عن قريب -إن شاء الله-.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.