السؤال
سؤالي هو: أعاني من أمي في البيت، دائما تكون سلبية معي، وأيضا تقدم جميع الإهانات لي وأمام إخوتي! دائما أفكر في الموت والانتحار، جربت الانتحار، لكن دائما أفشل، كما أنه ليس لديها ثقة بي.
دائما أتحمل، وأبكي في الليل، وأنا أكتب هذه الرسالة أقسم بأني أنهار في البكاء، أتمنى وجود حل لي، مع أني أصلي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شهد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك لك في عمرك وأن يسعدك، ويحفظ لك والدتك ويعينك على برها إنه جواد كريم بر رحيم.
أختنا الكريمة: قد فهمنا سؤالك ونحن نتفهم حالتك النفسية، لكن أن يصل الحال إلى التفكير في الانتحار لأجل هذا السلوك من والدتك فهذا أمر مبالغ فيه جدا، وما ينبغي لفتاة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تفكر مجرد تفكير في هذا المصير الذي قال عنه المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: (من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)، وقال أيضا: (من قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة)، لذا أول ما ندعوك إليه هو الاستعاذة من هذا الطريق، وعدم التفكير فيه مطلقا.
ثانيا: ما أوصلك إلى تلك الحالة -أختنا- أمران:
1- سلوك الوالدة -حفظها الله-.
2- عدم وجود القابلية عندك للتحمل.
فإذا عالجنا الأمر الأخير، وتعايشنا مع الأول هان وسهل -إن شاء الله-، لذا نرجو أن تتمهلي وأن تقرئي ما نكتبه لك الآن.
أختنا: دعينا ابتداء نتفق على عدة حقائق ستكون القاعدة العامة التي منها ننطلق:
أولا: لن يحبك أحد في الكون كوالدتك، محال أن تجدي في الدنيا من يخاف عليك كخوفها، ومن يتألم لك كتألمها، ومن يبكي عليك مثلها، ومن يفرح لك كفرحها، هذا حب فطري لا تفعله الأم بتصنع أو تكلف، بل هو فطرة جبلت عليه ويوما ما ستكونين أما وستدركين معنى كلامنا هذا، ثم هي تفعل ذلك وتتحمل وتتعب وهدفها سلامتك ولو على حساب عافيتها وصحتها.
ثانيا: غياب الأم من حياتك -أختنا- لن يعوضه أحد، بل لو اجتمعت الدنيا كلها لن تعوضك لحظة واحدة من حنانها، وسلي كل فتاة رحلت والدتها عنها، سليها: ما أمنيتك، ستقول لك: أن تعود ولو لحظة لأقبل جبينها، أن أناديها فتسمعني وترد علي، الأم يا أختنا راحلة عن دنياك وتلك سنة الحياة، وكل من رحلت عنها أمها ظلت تبكيها وتبكي كل لحظة لم تستطع أن تستغلها.
ثالثا: لا يعني ما قدمنا أن الأم معصومة من الخطأ، أو أن سلوكها كله صواب، لا -أختنا-، قد تخطئ لكن يستحيل أن تتعمد أذية ابنتها أو تتعمد تكدير خاطرها، وهذا هو الفارق بينها وبين أخطاء غيرها.
رابعا: قد ذكرت -أختنا- أنها سلبية معك وأنها تهينك أمام أخواتك، ونحن نقول لك: من الطبيعي أن تختلف بعض المعايير الحاكمة بينك وبينها، فما ترينه إهانة قد تراه تربية، وما ترينه محرما قد تراه واجبا، وما في ثقافتك تجاوزا قد يكون عندها دون المطلوب، وهكذا كل ما مر يوم ازداد التباعد بينكما وأنت حتما المتضررة؛ لأنك أولا مطالبة ببرها بين يدي الله تعالى، مطالبة بالإحسان إليها وإن أخطأت، مطالبة بإعانتها ولو قصرت، فإذا لم تتفهمي حالها وتقتربي منها فأنت الخاسرة -أختنا-، وأول المطلوب حتى تلتقي وجهات النظر وحتى تكون هناك قواسم مشتركة ما يلي:
1- إرغام النفس على القبول بحديث الأم وحمل حديثها على أجمل محمل، والابتسامة لها، والمسارعة في إعانتها والتخفيف عنها، أن تخرجي من ذاتك إليها، واعلمي أن قلب الأم رحيم جدا، ومتى ما وجدتك تسارعين في ودها، وهي من ستقبل عليك أكثر، المهم أن تفهمي أسباب غضبها منك، وأن تجتهدي في إزالة ذلك أو التقليل منه.
2- يعينك على ذلك تذكرك أجر البار بأمه، وهو باب واسع نود منك القراءة حوله، كما تذكري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أن الوصال المكافئ ليس هو الوصال المطلوب من المسلم الحرص عليه والصبر، بل وصال من قد يؤذيك وصاله هو الوصال الحق فقال: (ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)، وهذا مع غير الأم فكيف بالأم.
3- اجتهدي أن تكوني مستودع أسرار والدتك، اسمعي منها كثيرا، اجعليها إذا أرادت الحديث أو الشكوى وجدتك أنت أمامها، هذا سيطيب خاطرها، ويجعلك أكثر إلى فهمها، وهي أيضا ستكون أقرب منك إليك.
4- في وقت الصفاء أخبريها بحبك وودك، وأنها عندك أهم من كل شيء، واطلبي منها ما أرادت بأسلوب رقيق هادئ وبلا تفصيل، وثقي أنك متى ما فعلت ذلك فإن التغير سيكون قريبا.
وأخيرا: -أختنا الكريمة-: اعلمي والله أن أفضل أيامك في الحياة تلك الأيام التي لك فيها أم على قيد الحياة، فاستغلي وجودها واقتربي منها وتحملي بعض الأخطاء، فهذا طريق مرضاة الله عنك، وصلاح قلبك، والفوز بالنجاة من العقوق والسلامة من غضب الله تعالى، نسأل الله أن يحفظك وأن يرعاك، والله الموفق.