أخاف من الموت وأشعر باقتراب الأجل، فما نصيحتكم؟

0 29

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كنت في السابق عاصيا لله عز وجل، ومن ثم ابتلاني الله بمرض والدتي وكانت خائفة أنها ستموت، وأنا يتيم الأب وأكبر إخوتي، وعشت في حالة قلق وخوف وبكاء، وبعدها رجعت لله نادما على ما فعلت، ورجعت لصلاتي وقراءة القرآن، وأنا أعاني منذ حوالي شهرين من حالة خوف من الموت، وماذا سيحصل بعد الموت، وهذا الأمر قد جعل أيامي سوداء، حتى أنني بدأت أفكر بأنني سأموت، وهذه آخر أيامي، وعندما أفكر بأني سأدخل النار أسارع بالبكاء والدعاء وقراءة القرآن، وأنا على هذه الحالة منذ شهرين تقريبا.

أرجو منكم نصحي في ما ينفع حالتي، بارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يغفر ذنبك وأن ييسر أمرك، وأن يثبتك على الحق حتى تلقاه إنه جواد كريم.

أخي: إننا نحمد الله إليك توبتك، ونشكره أن أيقظك من غفلتك وبصرك الطريق الصحيح، ونسأله أن يعينك على الطريق وأن يثبتك عليه.

أخي الكريم: لا تجعل الشيطان يهددك بالموت، وما الموت؟ أليس فيه اللقاء بأرحم الراحمين؟ أليس فيه التلاقي مع سيد المرسلين؟ أليس فيه مزاورة الصحابة والتابعين والصالحين جميعا؟ إننا نخاف من الموت بالفطرة التي وضعت فينا، لكن مع ذلك نرجو لقاء الله ونرجو رحمته، وندرك أن الخوف الحقيقي -أخي الكريم- من الذنوب، نخاف ألا يتقبل الله منا، نخاف أن نموت وهو غير راض عنا.

نحب لقاء الله تعالى، بل نشتاق إلى هذا اللقاء الذي يجمعنا بخالقنا ورازقنا وسيدنا، ونحب أن يتحقق فينا ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فقالت -عائشة- يا نبي الله أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت، فقال: ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله وكره الله لقاءه)، فهذه أم المؤمنين تبين أن الإنسان بفطرته يكره الموت، فتلك طبيعة ركبت فيه، لكن الشيطان يستغل تلك الفطرة -الخوف- ويدمجها في المعصية، ويجعل النتيجة أن الله ربما لم يغفر لك، وبذلك تكون خسرت الدنيا والآخرة، ثم يوهمك أن الموت قريب جدا منك، وذلك حتى يحزنك ويجرك إلى اليأس والقنوط من رحمة الله، وعليه فأول ما عليك التفرقة بينهما هو الخوف الجبلي الذي يشترك فيه الجميع، والخوف الخاص الذي هو من آثار الذنوب.

أخي الكريم: نأتي بعد ذلك إلى السؤال الأهم، والذي يجعله الشيطان مدخلا لك دون أن تشعر، وهو هل سيقبل الله توبتك؟ ماذا لو لم يقبل الله تلك التوبة؟ ونحن نجيبك من خلال ما يلي:

أولا: لا بد -أخي الحبيب- أن تعلم أن سعة رحمة الله عظيمة لا يحدها حاد ولا يقف دونها ذنب، قال سبحانه: {كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم}، وهو جل وعز القائل عن نفسه: {وربك الغني ذو الرحمة}، وهو القائل: {ورحمتي وسعت كل شيء}، وانظر -أخي- إلى قول الله (كل شيء) كل شيء عظم أو كبر رحمة الله تشمله، ولعل أعظم ما يدل على سعة تلك الرحمة هذا النداء الرقيق: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}، فمن فعل الذنوب حتى أسرف وجاوز الحد الله يخاطبه بأن لا يقنط وأن الله سيغفر ذنبه.

وعليه فاعلم أن الله ما وفقك للتوبة إلا وهو يريد أن يتوب عليك، ألم تقرأ قول الله تعالى: (ثم تاب عليهم ليتوبوا)، تاب عليهم أولا فتابوا إليه ثانيا.

ثانيا: كلما أتاك الشيطان قائلا: هل سيغفر الله لك؟ قل له: ومن يحول بيني وبين الله؟ هذه مقولة الرجل العالم لمن عصى الله وأسرف على نفسه بالذنوب، فقال له: ومن يحول بينك وبين الله؟ كررها كلما وسوس لك: من يحول بيني وبين ربي، أنا عبده وهو سيدي، وطبيعة العبد الخطأ والعودة إلى الله مع الندم والعزم على عدم التوبة، وقد وعد الرب الرحيم بقبول توبة التائبين ومغفرة ذنوبهم متى ما حسنت توبتهم.

ثالثا: كن على يقين -أخي- أن الذي هداك للتوبة وشرح صدرك لها قد تاب عليك، بل قد فرح بتوبتك، واستمع معنا إلى هذه الحديث، عن أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة)، [متفق عليه]، وفي رواية لمسلم: (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح).

رابعا: إننا ننصحك أخي بما يلي:
1- عدم الاسترسال في مسألة الموت، بل الاستخفاف بها وعدم مناقشتها، بل أشغل نفسك بكيفية السير على الطريق حتى يرضى الله عنك.

2- اجتهد في إخلاص النية لله، فهي بداية الطريق، فتوبة بلا إخلاص لن تردك عن محرم، ولن تصرف عنك السوء؛ ولهذا قال تعالى عن يوسف -عليه السلام-: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}.

3- اجتهد في البحث عن الصحبة الصالحة التقية، فإن الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا قال له العالم: (إن قومك قوم سوء، وإن في أرض كذا وكذا قوما يعبدون الله، فاذهب فاعبد الله معهم)، فالصاحب كما قيل ساحب، لذا عليك بالصالحين، وابتعد عن رفقة السوء: فإن الطباع تسرق من بعض، وتذكر قول حبيبك -عليه الصلاة والسلام-: (الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل).

4-لا ينبغي أن يوقفك هذا الفكر عن العمل، إن كنت موظفا أو تاجرا أو عاملا، لا تترك عملك، بل اذهب وابذل جهدك، واحتسب هذا لله من أجل الرزق الحلال، واعلم أنك تتعبد الله بالعمل الحلال، كما تتعبده بالذكر والدعاء.

وأخيرا: أكثر من الدعاء إلى الله أن يرزقك توبة نصوحا، وأكثر من ذكر الله واستغفاره، واجعل لك وردا من القرآن وحافظ على أذكارك، نسأل الله أن يوفقك لكل خير وأن يصرف عنك كل شر والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات