السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا أعرف فعلا من أين أبدأ، أو ماذا أشكو، فأنا لم أعد أشعر بليالي هادئة منذ أن بدأت تراودني أحلام غريبة، أرى أحداثا ومواقف غريبة لأشخاص لا أعرفهم! لكن المشكلة أن تلك المشاهد التي أراها تتعلق بالشخص الذي أراه في ذلك الحلم، كل ليلة تقريبا أرى ذلك، لدرجة شعوري بأني أعيش حياة ثانية منفصلة عن حياتي الواقعية.
انعزلت عن الجميع تدريجيا، ودخلت في حالة اكتئاب شديد، وهذا لأنني لم أجرؤ على إخبار أحد بما أمر به؛ خشية نعتي بالمجنونة، أرجوكم ساعدوني لأنني بدأت أشعر أنني أهلوس، ولا أعي ما أقوله، في بعض المرات أنادي أختي بأسماء غريبة، أقولها للمرة الأولى، وأحيانا أحن إلى أماكن أجهلها ولم أذهب لها من الأساس، أشعر بالوحدة في المنزل، لا أحد يفهمني أو يحاول السؤال عن مكنون نفسي رغم ملاحظتهم تغيري.
تراجعت نتائجي الدراسية أيضا، وأصبح شعور الخوف والذعر يلازمني، أخشى أن لا أكون أنا، ربما تقولون إن ما أتفوه به ليس سوى محض تراهات، أو نتيجة لنقص أداء الفرائض والإيمان، لكنني أحافظ على الصلاة في وقتها، ومؤخرا أذهب في مدرسة لحفظ القرآن، -الحمد الله- أنا محجبة.
بت أتذكر مواقف أخرى حتى وأنا يقظة، مواقف مألوفة للغاية، وأشعر أنني مررت بها من قبل، لكن مع أشخاص لم أعرفهم في حياتي، أرجوكم دلوني للحل، تعبت نفسيا من شدة التفكير والخوف، وجسديا من قلة النوم والتعب الدائم.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سرور حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في موقع إسلام ويب.
أنت في مرحلة التكوين النفسي والبيولوجي والوجداني والجسدي والهرموني، فترة اليفاعة هذه الكثير من الفتيات على وجه الخصوص –وحتى الفتيان– تحدث لهم التغيرات النفسية الكثيرة جدا، وقد يحدث شيء من عدم الاستقرار النفسي فيها، وهذا هو الذي تمرين به، لديك شيء من القلق والمخاوف ذات الطابع الوسواسي، أسأل الله أن تكون هذه المرحلة مرحلة عابرة جدا في حياتك.
عموما في نهاية الأمر: -إن شاء الله- الأمور سوف تستقر، ساعدي نفسك من خلال حسن إدارة الوقت، هذه هي نصيحتي الأساسية لك، وحسن إدارة الوقت تعني حسن إدارة الحياة، تعني الاستقرار النفسي والاستقرار الوجداني، وأولى الخطوات التي يجب أن تقومي بها في حسن إدارة الوقت: أن تتجنبي السهر، النوم الليلي المبكر يؤدي إلى استقرار كامل في الخلايا الدماغية، في الموصلات والناقلات العصبية، وهذا يؤدي إلى استقرار نفسي كبير وتوازن وجداني كبير، يستيقظ الإنسان مبكرا، وبعد أدائك صلاة الفجر يمكن أن تذاكري مثلا، وبعد شرب الشاي والاستحمام، هذا وقت يكون فيه التركيز في أفضل حالاته، ومعظم الهرمونات المحفزة مثل الـ (ميلاتونين Melatonin) والـ (سيروتونين Serotonin)، ومادة تسمى الـ (أوكسيتوسين Oxytocin)، والذي يعرف بـ (هرمون السعادة)، كل هذه المواد تفرز في هذه الساعات الصباحية، لذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (بورك لأمتي في بكورها).
إذا حسن إدارة الوقت من خلال تجنب السهر هي نقطة ارتكازية لتؤدي إلى الاستقرار النفسي.
تداخل الأفكار لديك، شيء من أحلام اليقظة، وشيء من أحلام الواقع، والقلق والتوتر، والوسوسة: كما ذكرت لك هي أمر مرحلي، وحسن إدارة الوقت يساعد الأمور لترجع لمحتواها الأساسي والأصلي.
الأمر الآخر هو: يجب أن تحددي برنامجا يوميا لتديري من خلاله وقتك، بدأنا بالنوم الليلي المبكر، وصلاة الفجر في وقتها، ثم الدراسة بعدها، هذا أمر سوف يفتح لك آفاقا عظيمة، تذهبين إلى المدرسة وأنت في وضع أفضل كثيرا، لأنك قد أنجزت في فترة الصباح، هذا المردود الإيجابي يحسن تركيزك لمتابعة الدروس، وبعد الرجوع من المدرسة تتناولين الغداء، والجلوس مع الأسرة، والتفاعل الإيجابي، ويجب أن تحسني الظن بأسرتك، لا أعتقد أنهم لا يريدون مساعدتك، لكن أنت يجب أن تكوني جزء أصيلا في الأسرة من خلال المشاركات الإيجابية.
عليك أيضا بممارسة تمارين الاسترخاء، تمارين التنفس المتدرجة، وتمارين شد العضلات وقبضها ستكون مفيدة جدا لك، توجد برامج على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة هذه التمارين.
بالنسبة لموضوع الحفاظ على الفرائض والصلوات في وقتها: هذا أمر جيد، ونحن لا نتهمك أبدا بأي قصور في إيمانك -حاشا لله-، لن نتهم أحدا بذلك أبدا، لكن ندعو الناس حقيقة أن يكونوا أكثر حرصا على عباداتهم، لأن ذلك يرتقي بالنفس البشرية، ويبعث الطمأنينة، وقطعا ذكر الله على الدوام يجلب الطمأنينة، قال الله تعالى: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، وقطعا القرآن وحفظه سيكون رصيدا عظيما في حياتك.
فاطمئني –ايتها الفاضلة الكريمة– وما ذكرته هو كلام طيب بالنسبة لنا.
بر الوالدين من الأشياء التي تؤدي إلى الاستقرار النفسي، التواصل الاجتماعي مع صديقاتك، خاصة الصالحات من البنات؛ أيضا سوف يعطيك المؤازرة النفسية اللازمة.
أيتها الفاضلة الكريمة: يفضل أيضا أن تتحدثي مثلا مع والدتك وتذهبي إلى الطبيبة، طبيبة الأسرة مثلا، لإجراء فحوصات عامة، تتأكدي من مستوى الدم، مستوى الهرمونات لديك، وظائف الغدة الدرقية، مستوى فيتامين (د)، وفيتامين (ب12) على وجه الخصوص مهمة جدا، لأن أي نقص فيها قد يؤدي إلى اضطرابات مشابه، وإن هنالك نقص سوف تقوم الطبيبة بإعطائك العلاج اللازم.
أنت أيضا قد تستفيدين كثيرا من تناول أحد الأدوية البسيطة التي تؤدي إلى إزالة الخوف والوسوسة والقلق، هنالك عدة أدوية، منها سيرترالين، منها فلوفوكسامين، منها اسيتالوبرام، وتحتاجين لأحدها بجرعة صغيرة ولمدة قصيرة، وسوف أترك هذا الأمر للطبيبة التي سوف تقوم بالواجب -إن شاء الله تعالى-.
قلة النوم سوف تتحسن إذا اتبعت الإرشادات التي ذكرتها لك، -وإن شاء الله تعالى- صحتك النفسية والجسدية سوف تتطور كثيرا.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.