السؤال
والدي دائما غاضب، وعندما يشتد غضبه يكفر بالله، أنا كنت عاصيا لربي، لكني تبت و-الحمد لله- والآن أنا ملتزم بالصلاة، ووالدي كان ينتقدني على تأخري بالليل بسبب العمل، وعملي في مطعم كان يقدم الكحول، وتركته وبدأت العمل مع عمي ووالدي في متجر أحذية يمتلكانه.
والدي غاضب من كل فعل أفعله، فعندما لم أكن أصلي كان يغضب لتأخري بالليل، وعدم الصلاة، وعندما بدأت العمل معه أصبح ينتقدني، وبالرغم من ذلك أصلي، وهو لا يصلي، أسأل الله أن يهديه.
عندما يراني جالسا هو وعمي يصبحان يتكلمان من خلفي عن سبب جلوسي بالمحل، وأصبح والدي يغضب دائما مني، ويقول: أنا سأحضر شابا بدلا منك، براتب أقل منك، وأنت اترك.
مرة غفوت ونسيت أن أضع منبها، وإذ به يتصل بي ويغضب ويسبني ويشتمني، فذهبت إلى المحل وقررت الرحيل، وفي تلك الفترة كنا قد نقلنا إلى منزل جديد اشتراه هو، وأصبح لا ينام معنا في البيت، ولا يحضر الطعام، ولا يريد أن يدفع أي شيء بالمنزل، فتكفلت أنا وأختي بشراء مؤن المنزل، ومساعدته في ذلك، بالإضافة إلى الكهرباء والماء، بالرغم من قدرته المالية على ذلك.
بعد أسبوعين من شراء المنزل قرر أن يبيع المنزل، وأخبر والدتي بأن لديكم مهلة، اذهبوا وابحثوا عن مكان تعيشون به، وكأنه لا يريد أن يتواصل معنا، فعندما حللت الأمر وجدت بأن راتبي في محله هو جزء من أرباحه، ومن المرجح أنه لا يريد ذلك، ويريد خروجي من محله.
أنا الآن أجهز نفسي وعائلتي لكي نذهب، ونعيش بالإيجار في شقة صغيرة الحجم (استوديو)، السؤال هو: إن لم أتواصل مع والدي- فقط لا قدر الله إذا حصل شيء سيئ، وأنا سأكون مستعدا لتقديم المساعدة؛ لأن والدي يحب المال حبا جما- هل في ذلك إثم؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Hazem حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك ووالديك، وأن يصرف عنكم شر كل ذي شر، إنه جواد كريم.
الأخ الكريم: ما تتحدث عنه عرض عن مرض، والسؤال الذي ينبغي أن يطرح هو: لماذا تغير والدك؟ ما الأسباب التي جعلته يأخذ هذا الموقف العجيب؟ لماذا ضعف الحوار بينكم؟ وما السبب في ذلك؟
أخي: إن الفطرة قاضية بحب الوالد لأولاده، حبا يفوق اليوم تخيلك أو وصفك، ويوما ما ستصبح أبا وتدرك معنى حديثنا هذا. وما يجب أن يطرح اليوم، وأن يجاب عليه: ما الذي غيب فطرة الوالد إلى هذا الحد؟
قد ذكرت أن الوالد غضوب، وأنه عندما يغضب ويشتد غضبه قد يكفر بالله، وهذا يعني أن هناك مساحة من التواصل مفقودة بينكم وبينه، لدرجة أنكم لم تشعروا بنمو غضبه إلا في مرحلته الأخيرة.
نحن الآن لا نتهمك ولا نتهمه، نحن نحاول أن نبحث عن أساس الخلل حتى يمكن معالجته، نحاول أن نفتح لك آفاقا تنطلق منها لتتعرف على أصل المشكلة التي أدت بوالدك إلى ذلك، فمتى ما عرفت أساس المشكلة، هان عليك أو سهل حلها.
إننا نرجو منك الذهاب إلى أبيك والحديث معه، حديث الابن لأبيه، ليس حديث محاسبة، ولا حديث محاكمة، بل حديث ود، نريدك أن تكسر الجفوة التي حدثت معه، ويمكنك أن تأخذ معك أو ترسل في البداية عنك من يفتح لك الباب، ويمهد الطريق.
والآن نعود إلى سؤالك: هل عدم تواصلك مع الوالد فيه إثم؟
نعم، فيه إثم، وهو لون من ألوان العقوق، فالله عز وجل أمر ببر الوالد والوالدة، ولم يجعل البر مرتبطا بإحسان الوالد إليك، بل لو أساء وما أحسن، واجب عليك صلته، وواجب عليك بره، واعلم أن من وراء البر خيرا كثيرا لك في الدنيا والآخرة، ففي الحديث أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: (سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها. قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قلت: ثم أي؟ قال: ثم الجهاد في سبيل الله)
فانظر كيف جعل البر فوق الجهاد.
بل إن بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله -سبحانه-، وسبب في انشراح الصدر والنور التام في الدنيا والآخرة، وهو سبب لمغفرة الذنوب، فعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: (إن رجلا أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله إني أصبت ذنبا عظيما، فهل لي من توبة، قال هل لك من أم؟ قال: لا، قال : هل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: فبرها)، فجعل البر بالوالدين من كفارات الذنوب، واعلم -يا أخي- أن الله يبارك للإنسان في رزقه وعمره ببره لوالديه، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (من سره أن يعظم الله رزقه، وأن يمد في أجله، فليصل رحمه).
فالله الله في والدك، فهو اليوم معك، وتستطيع بره، بل وتستطيع كذلك أن تحظى بمرضاة الله في طاعته، لكنه متى ما رحل عنك انقطعت كل تلك الفضائل، فاذهب إليه وقبل يديه، واعلم أن له قلبا رحيما بك، ودودا عليك، شغوفا بعودتك، المهم أن تذهب، وأن تصبر حتى يلين قلبه لك.
نسأل الله أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، والله الموفق.