السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يتملك الحزن قلبي، أدعو الله بأمر منذ ما يقارب العامين، أدعو الله بالخير في هذا الأمر، أدعو الله أن يصرف عني التفكير فيه إن كان شرا لي، وأن يلهمني الدعاء إن كان خيرا لي، وأن ييسر لي تحقيقه واستجابته، وقلبي ضعيف يستمر في الدعاء، وهذا من يقيني أنه لو لم يكن سيتحقق ما ألهمني الله الدعاء به، أتبع كل ما جاء عن النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام- في استجابة الدعاء، أستغفر وأتوب أولا، وأصلي على النبي، أتصدق لله تعالى، ومن النوايا عن التصدق استجابة دعائي إن كان خيرا، وإن كان شرا أن يصرفه الله عني، ويبدلني خيرا منه، أقوم الليل، أدعو في يوم عرفة، أدعو في رمضان، أدعو في ساعات الإجابة.
مر عامان وأنا في مكاني، قلبي لا يهدأ ولا يرتاح أبدا، أدعو الله بيقين، ويعلم الله ذلك، حتى أنني من اليقين أرتب لما سيحدث يقينا في دعائي، لكنه لا يحدث، وأشعر بالخذلان والحزن كثيرا، ماذا أفعل؟
هل أتوقف عن الدعاء بهذا الأمر؟ قلبي ينفطر في كل مرة بسبب تعلقي بهذا الأمر، وتعلقي به يقينا في دعائي بأنه لو كان شرا لأزاحه الله عن طريقي، ولأبدلني خيرا منه، ألم يقل الله سبحانه وتعالى إنه يلهمنا الدعاء ليستجيب لنا؟
ماذا أفعل؟ الحزن يعتصر قلبي، وأنتم ادعوا الله لي أن يهدأ قلبي وأن يخفف الله عني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -بنتنا الفاضلة- في الموقع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يحقق لك المقصود والمراد.
لا يخفى عليك -ابنتنا الفاضلة- أن إجابة الدعاء من الله تتنوع، وما من مسلم يدعو الله بدعوة إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يستجيب الله دعوته -اللهم اعطني كذا فيعطيه-، وإما أن يدخر له من الأجر والثواب مثلها، وإما أن يصرف عنه من البلاء والمصائب النازلة مثلها، فأنت رابحة في كل الأحوال، فاستمري في الدعاء، واحذري أن تتوقفي؛ لأن الشيطان لا يريد لك الخير، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أيضا يقول: (يستجاب لأحدكم ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يعجل، قيل يا نبي الله: وما الاستعجال؟ قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم يستجب لي، فيستحسر عند ذلك ويترك الدعاء).
فاستمري في اللجوء إلى الله، واعلمي أن الدعاء عبادة، وهذا ما أدركه سلف الأمة الكرام، بمجرد أن يرفع الإنسان أكف الضراعة إلى الله فهو في عبادة، وهو مأجور على هذا العمل، ولذلك قال عمر: أنا ما أحمل هم الإجابة، لكني أحمل هم الدعاء) فهو لا يحمل الإجابة لأن الله تكفل بها.
واعلمي أن قضاء الحوائج من الله تبارك وتعالى أولا لها أجل، والله تبارك وتعالى كما مضى معنا في الحديث الإجابة منه تتنوع، ولذلك كأني بالإمام ابن الجوزي وهو يتكلم عن السلف في أدبهم قال: كان يسألون الله، فإن أعطاهم شكروه، وإن لم يعطوا فكانوا بالمنع راضين، يرجع أحدهم بالملامة على نفسه، فيقول مثلك لا يجاب، أو لعل المصلحة في أن لا أجاب، الفلاح إذا أن تستمري في الدعاء، ولا تتوقفي.
واستمري في الأعمال الصالحة؛ لأنك تسيرين في الطريق الصحيح، وبعض الناس يلح في الدعاء، فإذا نال حاجته توقف عن الذكر والدعاء واللجوء إلى الله، وهذا أمر لا يمكن أن يقبل من الناحية الشرعية، إذا استمري فيما أنت عليه من الدعاء والخير، واحذري من أن تتضجري، واحذري أن تستعجلي الإجابة.
الإجابة قد تكون مباشرة، قد يكتب لك الأجر والثواب، وقد يرفع الله عنك من المصائب النازلة، أي مقابل هذا الدعاء واللجوء إلى الله، فإن الدعاء والقضاء يعتلجان بين السماء والأرض، فاستمري في اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، ولا تتوقفي عن فعل الخيرات، واعلمي أن لكل أجل كتاب، والمؤمن ينبغي أن يدرك أن ما يقدره الله له أفضل مما يختاره لنفسه، قال عمر بن عبد العزيز: كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار.
فاستمري في الدعاء واللجوء إلى الله، والأعمال الصالحة، فأنت فائزة في كل الأحوال، والكريم العظيم يستحيي من عبده إذا رفع يديه أن يردهما صفرا خاويتين، فاستمري في اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، وأكثري من الأعمال الصالحة، وأبشري بالثواب الذي يعده الله لمن يتوجه إليه، نسأل الله أن يقدر لك الخير ثم يرضيك به.