السؤال
أنا أم لـ 3 بنات (2، 3، 6 سنوات)، أعمل بمستشفى، وزوجي ترك عمله منذ سنتين بدون سبب!
أهملت تربية بناتي وأصبحت عصبية بشدة، أصرخ عليهن ولا أسمعهن ولا أستطيع الكلام معهن ولا أجد الوقت حتى أصبحت مشتة الفكر، كثيرة التفكير، حزينة دائما، وزوجي يدخل ويخرج لا يهمه أمرنا وحالي، ودائما أتشاجر معه لعدم إحساسه بالمسؤولية.
هذا إلى جانب مشاكل العمل والضغوطات التي أواجهها في عملي من قبل رئيستي لعدم موافقتها لعدة تجاوزات، حيث كادت لي هي وزميلاتي وسعين لفسخ عقدي لإيقافي عن العمل، ولم أنتبه لذلك إلا بعد شهر بتحذير من أحدهم علم بذلك من بعيد، ومن الغباء أني أتصرف معهن وكأنه لم يكن شيء، رغم علمي بكيدهن، وعلموا أني علمت بذلك!
أنا لم أطرد بعد ولكني حزينة على حالي وحال بناتي، حيث إني أشتكي دائما ولا أجلب إلا الضغط للمنزل، ولا أستطيع حتى اللعب معهن، أفكر دائما إلى درجة الاكتئاب، وزوجي بالطبع لا يهمه، يأكل ويشرب، ويشاهد التلفاز ولا يسألني حتى عن حالي.
يئست من الحياة وليس لي رغبة في العيش! تركت قراءة القرآن لكثرة تضييع الوقت في التفكير، ودائما أجلد نفسي لغبائي وعدم الفطنة وضعف موقفي، دائما سهلة التغافل إلى جانب ضعف العزم، والأسوأ أني لا أستطيع إقامة علاقات في مهنتي لشكي فيهن، وكثرة النميمة والغيبة، وهن في المقابل ورغم ما فعلنه ينظرن إلي وكأنني مذنبة.
ماذا أفعل؟ دمرت عائلتي، حياتي المهنية جحيم، زوجي إنسان غير مسؤول وزادني غما على غم!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضل/ أم إيلاف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فمرحبا بك -بنتنا وأختنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يجلب لك الطمأنينة والأمان، وأن يصلح لنا ولك النية والذرية، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
نحن نوقن أنك تواجهين صعوبات، ولكن هذه الصعوبات التي يواجهها الإنسان ينبغي فيها أولا -من أجل أن يسهل الله عليه- أن يتوجه إلى رب الأرض والسماوات، ثم عليك أن تنظمي وقتك وترتبي المهام التي عليك، ولا تظلمي البنيات، فحاولي أن تجعلي لهن وقتا مخصصا، فليس للبنيات ذنب في تقصير الأب، وليس للبنيات ذنب فيما يحصل لك في بيئة العمل، وفي بيئة العمل استعيني بالله تبارك وتعالى وتوكلي عليه، وانتبهي لعملك، وقومي بما عليك من واجبات، واعلمي أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، ولا تعطي الآخرين فرصة، وحاولي دائما أن تشغلي نفسك بما هو نافع ومفيد، فإن الإنسان إذا شغل نفسه بمكائد الناس وما أرادوا به من الشر يتعب نفسه.
واعلمي أن النبي -عليه صلاة الله وسلامه- في حديثه لابن عباس قال له: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك -وكادوا وخططوا ودبروا وتآمروا- فلن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
فإذا أيقن الإنسان بهذه المعاني -وهي من عقيدتنا- فإنه عند ذلك لا يبالي بمكائد الكائدين ولا بما يقومون به، والمكر السيئ يعود على أهله بالمثل، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، ومن حفر حفرة لأخيه يوشك أن يقع فيها.
فاستعيني بالله تبارك وتعالى وتوكلي عليه، وأكثري من قول: (حسبنا الله ونعم الوكيل) وانتبهي لقوله بعدها: {فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء}، وأكثري من قول: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنها كنز من كنوز الجنة، ومفتاح من مفاتيح الفرج. وأكثري من الاستغفار ومن الصلاة على النبي المختار -صلى الله عليه وسلم-. ورددي دعاء مؤمن آل فرعون الذي قال: {وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد} فإن الله عقبها في الآية التي بعدها فقال: {فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب}.
أنت بحاجة إلى أن تصلحي ما بينك وبين الله تبارك وتعالى؛ لأن الطمأنينة مكانها واحد، {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، واعلمي أن الصعوبات التي يواجهها الإنسان لا تتوقف، خاصة مع الناجحين والناجحات، فإنهم يواجهون صعوبات، ولكنهم يستعينون بالله تعالى عليها ولا يعجزون، قال -صلى الله عليه وسلم-: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا)، وقال: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز).
وإذا كان الزوج مقصرا تجاه بناته فلا تظلمي -مرة أخرى كما قلنا- البنيات، وحاولي أن تتفاهمي معه بهدوء، وإذا قام بدور إيجابي فبها ونعمت، وشجعيه ليتواصل معنا، وحبذا لو كتب ما عنده حتى نستطيع أن نعطيه التوجيهات المناسبة ليقوم بدوره في المساهمة في رعاية البنيات، ويجتهد كذلك في البحث عن عمل، حتى يعاون الأسرة من الناحية الاقتصادية.
مرة أخرى نذكرك بالآتي:
أولا: الدعاء والإلحاح في الدعاء.
ثانيا: كثرة الاستغفار والصلاة على النبي المختار.
ثالثا: تنظيم الوقت والحرص على الوقت النوعي مع البنيات، نحن ندرك أنك مشغولة، لكن البنيات والأسرة تحتاج إلى وقت نوعي، والوقت النوعي نقصد به أن تخصصي لكل بنت ولو دقائق معدودة، تهتمي بها، تحضنيها، تمسحي على رأسها، تسألي عن اهتماماتها، تجلسي معها لتحاوريها، تمشطي لها شعرها.
رابعا: حاولي أيضا أن تقتربي من زوجك، فإذا قصر فلا تقصري؛ لأن الحياة الزوجية عبادة لرب البرية، والمحسن يجازيه الله، والمقصر يحاسبه الله تبارك وتعالى، وإساءة الزوج وتقصيره لا تبيح لك التقصير؛ لأن الذي يحاسبنا هو السميع البصير.
فإذا أنت بحاجة إلى أن تقيمي هذه الأمور انطلاقا من هذا الدين الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، وإذا ذكرك الشيطان بالمآسي وبالمكائد والمصائب فتعوذي بالله من شره، وتعوذي بالله من كل ذي شر، واعلمي أن هم الشيطان أن يحزن أهل الإيمان.
خامسا: لا تفكري فيما مضى، فإن اللبن المسكوب لا يمكن أن يعود مرة أخرى، ولا تقولي: (لو أني فعلت كذا لكان كذا)؛ لأن هذا من الشيطان، ولكن قولي: (قدر/ قدر الله وما شاء فعل)، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان، وتدخل على الإنسان الاعتراض على قضاء الله وقدره، والتسليم لأمر الله والصبر على القضاء واحتساب الأجر على ذلك كله نوع من التسليم، فاستقبلي حياتك بأمل جديد وبثقة في ربنا المجيد سبحانه وتعالى.
سادسا: لا بأس أن تكون لك قراءة في فن العلاقات، وكيفية التعامل مع المدراء والمديرات، فقد يبتسم الإنسان في وجه آخر اتقاء شره، فكوني ذكية في هذا الباب، والمرأة عندها من الفطنة الشيء الكثير.
ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخروج مما أنت فيه، وتجاوز هذه الصعوبات، واعلمي أن الحياة أمل، والأمل يحققه العمل، وكل منا ميسر لما خلق له، والله تبارك وتعالى يجزي كل امرئ بما فعل.
نسأل الله أن يستخدمنا جميعا في طاعته، وأن يصلح أحوالنا وأحوالكم، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.