السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا شاب أبلغ من العمر 27 سنة، تراكمت لدي المشاكل والهموم، وبلغت بي ما بلغت، لدرجة أني لا أشعر بطعم الحياة.
أعاني من البطالة، لا أجد عملا، قبل 3 سنوات كنت أعمل في شركة قطاع عمومي، وإلى الآن لا أجد عملا مستقرا، أحارب البطالة، أحيانا أشتغل في سوق أسبوعي للتجارة، وأحيانا في التوصيل، وما أكسبه يكفيني لشراء الطعام، أعيش في بيت كان لجدتي -رحمها الله- والتي توفيت قبل 9 شهور، كانت بمثابة أمي؛ لأني كبرت وترعرت معها منذ كنت طفلا، وبعد وفاتها جاء والداي وإخوتي ليعيشوا معي في البيت، لكن علاقتنا سطحية، وكأننا مجرد جيران، أحسن إليهم ما استطعت.
أشعر باكتئاب وتقلب في المزاج، وضيق دائم في الصدر، وفقدان الشهية، وأصبحت أميل للعزلة والوحدة؛ لأن الناس تحكم بالظاهر، ولا تعترف بالظروف.
أصبحت أتفادى الاجتماعات حتى في البيت، أشعر كأنني سأجن، كل ما كنت أطمح له وقع عكسه، أشعر أن حياتي فارغة، وأيامي تمر متشابهة، وتتفاقم فيها المشاكل.
أرجو منكم الدعاء لي، وإرشادي للحل.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سيف الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنه ليسرنا تواصلك معنا في أي وقت، ونسأل الله الكريم أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان وأن يرضيك به، وبخصوص سؤالك فإننا نحب الإجابة عليه من خلال ما يلي:
أولا: نتفهم تماما معاناتك التي يشاركك فيها الآلاف في بلداننا، ونتفهم تماما وضعك النفسي الذي أصابك بأمرين خطيرين، لو انتبهت لهما لزال أكثر ما بك من هم، لذا نرجو الانتباه:
1- قد أصابك الهم جراء المعاناة التي ضخمها الشيطان لك، وجعلك تنظر إلى حياتك كلها من هذا الثقب الأسود، وهو البطالة وقلة ذات اليد، وأغلق عنك باب النعم التي أنت فيها ويتمناها أو يتمنى بعضها آلاف الشباب في مثل عمرك، فانتبه -أخي الكريم- من النظر إلى الذات بهذا المنظار القاتم؛ لأنه مؤلم، فمثلا أنت تقول: (الحياة لم يعد لها طعم)، وتقول: (أشعر باكتئاب، وأشعر كأني سأجن)، وغير ذلك من الأمور السلبية، ونحن الآن نسألك: ماذا يقول من هو في مثل عمرك لكنه ما وجد بيتا يأوي إليه؟ ما تقول في من هو في مثل عمرك ينتظر ثمن الدواء ليخفف عنه الألم؟ ما تقول لشاب في مثل عمرك أصيب بمرض الكلى وهو كل يوم يبكي؛ لأن الأمر أصبح شاقا عليه ومؤلما؟
أتدري لما راسلنا هذا الشاب الذي يغسل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع، وكان ضجرا جدا، وكان كل ما يرجوه أن يمر عليه يوم بلا ألم، يقول: لا أريد من الدنيا أكثر من أن يمر علي أسبوع أشعر أني طبيعي مثل الناس، آكل مثل الناس، أدخل الحمام مثل الناس! قلنا له: يا فلان: أتدري أن غيرك لا يجد مشفى لغسيل الكلى؟! ولا يعلم لألمه مسكنا؟!
الشاهد أنك في نعم كثيرة، فالحمد الله أنت في صحة وعافية، وتستطيع الذهاب للعمل وغيرك أقعده المرض، وأنت في بيت لا تشعر بضغط شديد عليك لأجل الإيجار الشهري -الذي يثقل كاهل الشباب-، كل هذه نعم يجب أن تحمد الله عليها، وأن تستذكرها حتى تقوي نفسك، وتبتعد عن هذا الاكتئاب الذي أتعبك.
2- الأمر الآخر الذي أصابك الشيطان به: إيهامك أن المشكلة لا حل لها، وأن الانزواء هو الخيار لك، حتى أصابك اليأس والكسل، وهذه أيضا بلية أخرى، فأنت في مقتبل عمرك، والحياة ليست سهلة، بل هي معاناة يجب أن تبذل فيها، وأن تحتسب الأجر عند الله، بل نقول لك: يجب أن تحمد الله على ما أنعم به عليك.
ثانيا: اعلم أن الناس أمام عقبات الحياة قسمان:
1- قسم يتصور أن ما هو فيه نهاية الحياة، وأنه لم يبتل أحد بمثل ما ابتلي هو به، وهذا يدفعه إلى الغرق في مشكلته ظنا منه أنه أبأس الناس، وأشد الناس ظلمة وأكثرهم ابتلاء، وهذا لا تجده إلا منزويا أو منعزلا أو شاكيا حاله، أو ساخطا على المجتمع، المهم أنه يظل في تلك الدائرة، وقطار عمره يسير وهو لا يشعر، حتى إذا بلغ الخمسين بدأ يدرك أن مشكلته كان لها حل، ولكنه أدرك ذلك في مرحلة أصبح التداوي معها ثقيلا على النفس؛ لأنه يحتاج إلى عامل الوقت، وقد فر الوقت منه، وأنت ابن العشرين، والحياة أمامك ممتدة، وتستطيع أن تتجاوز -بأمر الله- ذلك.
2- القسم الآخر وهو القسم الناجح: يحدد المشكلة بهدوء، ويعلم أن هذه طبيعة الحياة، وأن أكثر الشباب في مثل ما هو فيه، وبعض الشباب دونه بمراحل، فيحمد الله على نعم الله عليه، فإذا غلبه الهم والحزن جعل منهما دافعا إلى التغيير، فيحصر المشاكل ويبدأ بما يمكن علاجه، ويستعين -بعد الله- بأهل الخبرة من الصالحين، ويبدأ بالقليل، ويسأل الله البركة في ذلك، وثق أنك متى ما فعلت ذلك، فإن الرزق سيأتيك والأمور ستفرج، المهم أن تأخذ بالأسباب، وأن يكون القلب بالله معلقا، وأنت تسير إلى ما أنت عليه، وأنت راض عن سيدك ومولاك.
ثالثا: بالنسبة لأهلك، عليك دور هام في محاولة الإصلاح، ومحاولة التقريب بينهم، وهذا يكون بالإحسان ما استطعت، والتغافل عن الهنات ما استطعت كذلك.
رابعا: كذلك وأنت تعمل وتجتهد وتبذل ما تقدر عليه في سبيل تحصيل الرزق، عليك في نفس المسار أن تفعل ما سنخبرك به الآن؛ لأنه من مفاتيح زيادة الرزق، وحصول البركة:
1- راقب ربك في كل حياتك، والزم التقوى، تفتح لك أبواب الرزق، قال تعالي: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا* ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا". {الطلاق 3,2 }.
2- اجتهد في الابتعاد عن المعاصي، فإنها تحول بينك وبين الرزق، ففي سنن ابن ماجه وحسنه الألباني قال -صلى الله عليه وسلم-: "وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه".
3- الصلاة كذلك من أسباب زيادة الرزق قال تعالى: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى". {طه:132}.
4- كثرة الاستغفار جالبة لكل خير كما قال تعالى: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا* ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا".{نوح:12،11،10}.
5- كذلك صلة الرحم، فقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه". متفق عليه من حديث أنس -رضي الله عنه-.
6- كذلك الصدقة ولو بالقليل، ولو بمساعدة المحتاج على قدر جهدك، ولو بالابتسامة، ولو بالصلح بين اثنين، كل هذه صدقات، والله قال: "قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين". { سبأ: 39 }.
هذه نصيحتنا لك: أن تنهض، فأنت -والحمد لله- في زحام من النعم، وأن تخطط لحياتك، وأن تبدأ بالصغير، وأن تصل حبلك بمولاك، وثق أن الله سيعوضك خيرا.
نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يبارك في رزقك، والله الموفق.