قررت ألا أخدم إخوتي حتى لو طلب والدي.. فهل هذا عقوق؟

0 48

السؤال

السلام عليكم

أنا فتاة طالبة، أعيش مع عائلتي، لكن بسبب ظروف عائلية اضطررت لتأجيل دراستي بشكل مؤقت، وأعاني من تحميلي معظم الأعباء المنزلية، والدتي تعاني من ظرف صحي صعب في الوقت الحالي، ولا أجد تقديرا من باقي أفراد العائلة لي، بل يظنون أنه من الواجب علي تحمل أعباء المنزل بسبب ظروفهم، وإن من واجبي أن أعمل لمدة طويلة نسبيا بشكل يومي.

أريد أن أطور من مهاراتي، ووقتي ليس متاحا بسبب العائلة، لذلك أخبرت والدتي أنني ساقوم فقط بالمهام المتعلقة بها، ولن أقدم خدمة بشكل مباشر أو غير مباشر لإخوتي، حتى لو طلب والدي مني ذلك، وهذا يزعج والدي، فهل هذا عقوق؟

لي على هذا المنوال ٦ أشهر تقريبا، وقررت بعد هذه المدة ألا أقدم الخدمة لإخوتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يشفي والدتك، وأن يعافيها، وأن يكتب أجرك، وأن يبارك في عمرك، إنه جواد كريم.

أختنا الكريمة: لا شك أن ما قمت به تجاه الوالدة من تحمل أعبائها لمرضها هو لون من ألوان البر، وواجب يفرضه عليك الشرع، بل ويأجرك عليه الله تعالى، واعلمي أن البار قريب من الله، قريب من الجنة، قريب من مرضاة الله عليه، وما من شيء يتقرب العبد به إلى الله بعد العقيدة الصافية من البر، فالله نسأل أن يرزقك بر والديك.

ثانيا: لا شك أن تقدير الإخوة الغائب، وعدم شكرهم لك له دور في هذا التحول العنيف منك، نعم تحول عنيف! فأنت تقولين وأنت الفتاة الصالحة الحريصة على البر: (لن أقدم خدمة بشكل مباشر أو غير مباشر لإخوتي حتى لو طلب والدي مني ذلك)؟ هذا كلام لا يجوز منك، وقد ذكرت أن هذا الكلام أزعج والدك، وهذا وحده كاف في التراجع عن هذه الفكرة، ثم توجيهها لتكون أقرب إلى الموازنة.

ثالثا: إننا نرجو منك أن يكون هناك حديث جانبي معمق مع والدتك أولا، على أن يتولى إخوانك بعض الأعمال، وأن تقسم أعمالهم ولو للحد الأدنى عليهم، وأن تبحثي عن صيغة أخرى ليس فيها عقوق الوالد، كما ليس فيها قطع صلة إخوانك وأخواتك.

رابعا: مع تفهمنا لحاجتك إلى الوقت للدراسة أو رفع مهاراتك، إلا أننا نخبرك أن الذي يحفظ عليك وقتك، ويبارك لك في عقلك، ويعينك على الفهم، ويعطيك الصحة والقدرة على فعل ذلك، هو الله تعالى الذي تبحثين عن رضاه، فاحمدي الله على العافية في البدن، فغيرك الآن واقف أمام طوابير الكلى ينتظر الغسيل، واحمدي الله على العقل فغيرك يهيم على وجهه في الشوارع لا يعلم له وجهة، واحمدي الله على البر، فغيرك مات أبوها وهو عليها غير راض، كل هذه المعاني مع ما أعده الله عز وجل للبار من أجر، وما أعده الله لمن ساعد غيره؛ يحفزك على ما أنت عليه، ويكسبك الأجر من الله، وساعتها لن يفرق عندك تقدير البشر.

أختنا: مساعدة إخوانك نوع من أنواع الإحسان، والله يحب كل محسن، ويرحم كل محسن قال الله: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) {البقرة:195}. وقال سبحانه: (إن رحمت الله قريب من المحسنين) {الأعراف:56). وقال سبحانه: (نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين) {يوسف:56}.

كما أن في مساعدتهم استجلابا لعون الله لك وإعانته جل شأنه، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما: أن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة)، فما أعظم هذا الثواب.

فإذا أضفت إلى ذلك أن صنائع المعروف للأهل ولغيرهم، وصلة الأرحام بالإحسان إليهم صيانة ووقاية، فقد علمت فضل ما أنت عليه، فقد ثبت عن أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد من العمر). رواه الطبراني وحسنه الألباني.

والله يجازى على الكثير والقليل، فلا شيء يضيع عند الله أبدا، ولو كانت ابتسامة، فقد جعل الله الابتسامة صدقة، وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن كل عمل وإن كان صغيرا صاحبه مأجور عليه، ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن الترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من منح منيحة لبن أو ورق أو هدى زقاقا كان له مثل عتق رقبة) قال الترمذي: ومعنى قوله: "من منح منيحة ورق"، إنما يعني به قرض الدراهم. قوله: "أو هدى زقاقا"، يعني به هداية الطريق.

ثم في الختام إعانتك لأمك وأبيك وإخوانك يدخل السرور على قلب والديك، وكذلك على إخوانك، وقد سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أي الأعمال أفضل؟ قال: أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا، أو تقضي له دينا، أو تطعمه خبزا". رواه ابن أبي الدنيا في كتاب: قضاء الحوائج، والبيهقي وغيرهما، وحسنه الألباني. فإذا كان هذا مع المسلم، فكيف بالأرحام والأهل؟!

نسأل الله أن يكتب أجرك، وأن يعينك، وأن يرزقك الخير في الدنيا والآخرة، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات