السؤال
كنت وأنا صغيرة قريبة من ربنا جدا، وبعدها -ومنذ فترة- صرت بعيدة، ولا أعرف كيف أرجع؟ وصارت الأمور ثقيلة على قلبي، وصرت أتكاسل عن الصلاة، أصلي أحيانا وأترك أحيانا.
صارت عيناي تذرفان بالدموع، وقلبي من كثرة البعد صار قاسيا، ولا أتأثر، ولا أندم، وأغضب في كل مرة، وأدعو الله وأنا أصيح، لأني أحس بضيق، وأحس بحمل كبير على قلبي.
الحقيقة أن السبب هو: منذ كنت صغيرة إحدى قريباتي فتحت عيني على مواقع إباحية، وابتعدت عنها فترة، وتبت إلى الله، ثم رجعت، وأمارس العادة السرية، وأنقطع عنها، وبعد كل مرة أتوب وأعود، ولا أعرف ماذا أعمل؟
أنا لا أحب أن أموت وأنا على هذا الحال، ربنا الكريم أراد منا أن نراقبه.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، ونحن نشكر لك ثقتك فينا ومصارحتك لنا بحالك، ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمن عليك بالتوبة، وأن يعينك على إصلاح نفسك ويجنبك شرورها.
أولا: أول ما ينبغي عليك معرفته أن ما فعلته من ممارسة العادة السرية معصية وذنب، وأن الله غير راض عليك ما دمت عليها مقيمة، خاصة وأنت تعلمين حرمتها، وتفعلين ذلك وأنت تعلمين نظر الله إليك، والسؤال: لما جعلت الله أهون الناظرين إليك؟ نعم -أختنا- في كل مرة تمارسين فيها ما حرم الله تعالى من تلك المعصية، المضرة بقلبك وعبادتك وعلاقتك بمولاك، والتالفة لصحتك وعافيتك وجهازك العصبي.
ثانيا: حديثك عن القسوة التي وجدتها في قلبك، والتحجر الذي أصاب عينك، والبعد عن الطاعة الذي أثقلك، هو أمر طبيعي جراء المعصية، فإن للمعصية آثارا سلبية، عددها ابن القيم -رحمه الله- ونحن نختصرها لك:
1- حرمان العلم، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور، ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا، فلا تطفئه بظلمة المعصية.
2- حرمان الرزق، ففي مسند الإمام أحمد عن ثوبان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه".
3- وحشة تحصل للعاصي بينه وبين ربه، وبينه وبين الناس، قال بعض السلف: إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
4- تعسير أموره عليه، فلا يتوجه لأمر إلا ويجده مغلقا دونه، أو متعسرا عليه، (ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا).
5- العاصي يجد ظلمة في قلبه، يحس بها كما يحس بظلمة الليل، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره، فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته، حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سوادا يراه كل أحد، قال عبد الله بن عباس: "إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وسعة في الرزق ، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق".
6- حرمان الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة تكون بدله، وتقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع عليه بالذنب طريق ثالثة ثم رابعة وهلم جرا، فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها، وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضا طويلا منعه من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان.
7- أن المعاصي تزرع أمثالها، ويولد بعضها بعضا، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها.
8- أن المعاصي تضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية،...فيأتي من الاستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيء كثير، وقلبه معقود بالمعصية، مصر عليها، عازم على مواقعتها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك.
9- أنه ينسلخ من القلب استقباح المعصية، فتصير له عادة، لا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه.
10- أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها، فكان من الغافلين. كما قال بعض السلف في قوله تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) قال: هو الذنب بعد الذنب.
أصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية، فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير رانا، ثم يغلب حتى يصير طبعا وقفلا وختما، فيصير القلب في غشاوة وغلاف، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انتكس فصار أعلاه أسفـله، فحينئذ يتولاه الشيطان ويسوقه حيث أراد.
هذا يوجب عليك المسارعة في التوبة؛ لأن عذاب الله شديد وعقابه أليم، فالحذر الحذر أن ينظر الله إليك نظرة غضب فتهلكي.
ثالثا: الفرصة أمامك قائمة، وأولها المسارعة بالتوبة، فباب التوبة مفتوح لك، ولا تظني أن الله لن يقبل الله توبتك وقد فعلت ما فعلت، فالله كريم غفور رحيم، وهو القائل -أختنا- جل شأنه: ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له).
انظري بارك الله فيك كيف هي رحمة الله حتى مع من أسرف في الذنوب، لكنه عاد إلى الله تائبا نادما، بشره الله بالمغفرة متى ما كان صادقا في توبته، فبادري بالتوبة إلى الله -أختنا الفاضلة-، وأقبلي على ربك، حتى تخرجي إلى الطمأنينة والسكينة، ألا تريدين طمأنينة القلب؟ إنها هاهنا في التوبة، ألا تريدين فرحة الروح وسعادتها؟ إنها هاهنا في التوبة، ألا تريدين العيش قريرة العين سعيدة النفس؟ إنها هاهنا في التوبة والإنابة إلى الله، قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)، بل زاد فضل الله وكرمه حين يبدل السيئات والموبقات إلى حسنات كريمات فاضلات، قال الله جل وعلا: (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما).
رابعا: اعلمي وفقك الله أن التغيير للأفضل ليس مستحيلا، وأنك قادرة بعد توفيق الله أن تكوني صالحة بعيدة عن هذا الإثم، فإياك أن يزرع الشيطان فيك اليأس، واعلمي أن أخطر ما ما يريده الشيطان منك: إيهامك العجز على مقاومة شهوتك، وأنك مهما حاولت المقاومة ستفشلين، هذا وهم لا حقيقة فيه، فأنت بالله ثم الإرادة أقوى من كل ذلك.
خامسا: اعلمي أيتها الكريمة أن الشهوة لا تموت بالعادة السرية، بل تزيدها اشتعالا، وإننا ندعوك أن تدخلي على موقعنا لتقرئي عن أضرارها وإدمانها.
سادسا: تذكري كلما حدثتك نفسك على المعصية ما ذكرناه من عواقب الذنوب والمعاصي من زوال النعم التي يعيشها الإنسان، فإن النعم مدمرة مزالة بسبب ذنوب أصحابها، وإن كفران النعمة بارتكاب المعصية سبب أكيد لزوالها، فعليك تذكر تلك العواقب كلما دعتك نفسك للمعصية، كذلك تذكري عقاب الله في الآخرة، فإن النفس تميل إلى شهواتها، فإذا ذكرها صاحبها بعاقبة الذنب تبين له أن معاقرة الذنب بعد ذلك إنما هو كمن يأكل الطعام الشهي المسموم، ولا يقدم العاقل على ذلك؛ لأنه يعلم أن به هلاكه ودماره.
سابعا: إننا ندعوك حتي تتغلبي على هذه الشهوة أن تقومي بعدة أمور:
1- زيادة التدين عن طريق الصلاة (الفرائض والنوافل) والأذكار، وصلاة الليل، وكثرة التذلل لله عز وجل، واعلمي أن الشهوة لا تقوي إلا في غياب المحافظة على الصلاة قال الله (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات)، فكل من اتبع الشهوة يعلم قطعا أنه ابتعد عن الصلاة كما ينبغي، وبالعكس كل من اتبع الصلاة وحافظ عليها وأداها كما أمره الله أعانه الله على شهوته، المهم هو الصبر وعدم تعجل النتائج.
2- اجتهدي في الإكثار من الصيام فقد قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
3- ابتعدي عن الفراغ عن طريق شغل كل أوقاتك بالعلم، أو المذاكرة، أو ممارسة نوع من أنواع الرياضة، المهم أن لا تسلمي نفسك للفراغ مطلقا، وأن تتجنبي البقاء وحدك فترات طويلة.
4- ابتعدي عن كل المثيرات التي تثيرك، واعلمي أن المثيرات سواء البصرية عن طريق الأفلام أو الكلامية، أو أيا من تلك لا تطفئ الشهوة، بل تزيدها سعارا.
5- ننصحك كذلك باختيار بعض الصالحات، ونريدك أن تتخيريهن بعناية تامة، فإن المرء قوي بإخوانه ضعيف بنفسه، والذئب يأكل من الغنم القاصية، فاجتهدي في التعرف على أخوات صالحات، وتعاهدي معهن على الطاعة، فما مضى من العمر ليس قليلا ، والحياة مهما طالت قصيرة.
6- لا تجلسي وحدك مطلقا، ولا تذهبي إلى حاسوبك إلا والباب مفتوح، ولا تخلدي إلى النوم إلا وأنت مرهقة تماما.
7- كثرة الدعاء إلى الله أن يصرف الله عنك الشر، وأن يقوي إيمانك وأن يحفظك، ويحفظ أهلك من كل مكروه، والله المستعان.
نسأل الله أن يغفر لك، وأن يسترك في الدنيا والآخرة، والله الموفق.