أرغب أن أكون جزءاً من تحول الأمة إلى الهدى والخير، فماذا أفعل؟

0 41

السؤال

العالم الإسلامي سيتغير إلى الأفضل -إن شاء الله- برجال يحبون الله ويحبهم الله، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، نظرت في نفسي وقلت هل يمكن أن أكون جزءا من هذا التغيير؟!

أنا شاب الآن أعيش في أوروبا مع عائلتي، وفي الـ18 من أغسطس سيكون عمري 23 سنة، أمتلك ماضيا ليس كله أسود، وليس كله أبيض، نعم عملت العبادات والطاعات والصالحات -بفضل ربي ورحمته- ولكن مع الأسف سقطت في المحرمات والكبائر بسبب نفسي والشيطان -لعنه الله-.

سؤالي الآن: هل هناك فرصة ثانية؟ هل يمكن لي أن أكون جزءا من هذا التغيير؟ أتذكر مرة بكيت وقلت لربي: (اللهم ربي أنا شاب في 22 من عمره، وأريد أن أكون جنديا من جنودك)، وأنا لا أعرف إن كان ربي قد قبلني في جنده أم لا؛ لأني بعد ذلك وقعت في انتكاسة كبيرة جدا كدت أنتحر بسببها، أسأل نفسي هل ضاع شبابي؟ أنا حقا لا أعرف من أين أبدأ وماذا أفعل؟!

ضاعت مني كل أعمالي الصالحة، بقيت الفرائض فقط أحافظ عليها -بفضل ربي-، وأصوم النوافل أحيانا، لكنني أشتاق لما كنت عليه من قيام الليل والنوافل والدعاء وتدبر للقرآن الكريم، وأشياء أخرى كثيرة والله.

استودعت ربي قلبي واستودعته نيتي، وحلمي في الآخرة أن أكون مع الرجال الذين صنعوا التغيير وصنعوا التاريخ، مثل العلماء والمجاهدين، لكن لا أعلم ما يحصل معي الآن بسبب هذه الانتكاسة التي وقعت بسببها في الكبائر!

المهم الكلام كثير، وأنا لا أعرف كيف أتصرف؟ ألف خطة وطريق، لكن لا زلت في مكاني لم أحرك ساكنا؛ لأنني لا أعلم من أين أبدأ، وأخاف أن ينتهي الأمر بي بقتل نفسي؛ لأنني مريض بالوسواس القهري والميول الانتحارية، وهذا منذ أن كنت صغيرا، الوسواس ورثته عن أمي، فهي أيضا تعاني منه، لكن الميول الانتحارية لا أعلم مصدرها، وكيف أتصرف معها، وأيضا فأنا أحتقر نفسي كثيرا، أسبها وأشتمها وأضربها أحيانا وأجرح نفسي بالأدوات الحادة، وأحيانا أشعر بأنني في حلم أو أنني سأجن!

أرجوكم ساعدوني -يا إخوتي- فبعد الله -عز وجل- لا نملك نحن المسلمين إلا علماءنا ومشايخنا وطلبة العلم، نسأل الله أن ينفعنا وينفع بهم الأمة.

أسأل الله أن يفرج عني وعن جميع المسلمين.

وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Karim حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به، وبخصوص ما تفضلت به فاعلم بارك الله فيك ما يلي:

أولا: ما تحدثت عنه من عودة للحق وأهله، وعلو لأهل الدين فحق لا ريب، فعن تميم الداري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر.

ثانيا: حديثك عن أمنيتك أن تكون من هؤلاء أو جزءا منهم دال على خير فيك، وعلى فطرة سليمة، وهذا الرجاء والتمني لا يجب أن يتوقف عند حدود العاطفة، بل يجب أن يترجم في خطوات عملية أولها إصلاح نفسك وأهلك، وتقديم النصيحة بالصلاح لكل من عرفت بالمعروف والكلمة الطيبة.

ثالثا: احذر -أخي- أن يوهمك الشيطان بأن ما فعلته ليس له توبة، وأن الله لن يغفر لك، وأنك بعد المعصية لن تستطيع أن تعود إلى ما كنت عليه من تقى وصلاح!

احذر من تلك الوساوس وردد في نفسك كلما أتاك الشيطان متسائلا: هل يقبل الله توبتك؟! قل له: ومن يحول بيني وبين الله!

أخي الكريم: إن الله يغفر الذنوب جميعا، ويقبل توبة التائبين، باب التوبة مفتوح، فلا تيأس ولا تظن أنك بعيد عن الله -عز وجل- بسبب إسرافك في المعاصي، فما دمت قد تبت وما دامت الطاعة محببة إلى قلبك فاعلم أن هذا بداية المعافاة، فأنت عبد وهو رب، وقد وعد الرب الرحيم بقبول توبة التائبين ومغفرة ذنوبهم متى ما حسنت توبتهم واستقام سلوكهم؛ لذلك من المفيد أن تعلم معنى التوبة وشروطها وأسباب الاستقامة وطرقها.

أخي الكريم: التوبة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الندم، ومعناها الرجوع عما يكرهه الله من العبد ظاهرا وباطنا، وهو الهداية الواقية من اليأس والقنوط، وهي أول المنازل وأوسطها وآخرها كما قال ابن القيم، وهي بداية العهد وخاتمته.

هي الاستجابة لأمر الله: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا).

وهي سبب لفلاحك في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون).

وهي الجالبة لمحبة الله لك، قال تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).

وهي سبب لدخولك الجنة ونجاتك من النار، قال تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا).

وهي الجالبة لنزول البركات من السماء، وزيادة القوة والإمداد بالأموال والبنين، قال تعالى: ( ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين).

وهي من أسباب تكفير سيئاتك وتبديلها الى حسنات، قال سبحانه: (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما).

وعليه فكن على يقين ما استقامت توبتك أن الله سيقبلها، بل يفرح ربنا لتوبة عبده إذا تاب، فعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة) متفق عليه.
وفي رواية لمسلم (لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح).

وهذا يثبت لك سعة رحمة الله بنا، فأمل في الله خيرا، واعلم أن الله كريم غفور رحيم، وهو القائل جل شأنه: (‏‏قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له) والتعبير بقوله جل شأنه: (لا تقنطوا من رحمة الله) يدل على سعة رحمة الله وعدم يأس المؤمن من رحمة الله -عز وجل-، فالبدار البدار، أقبل على ربك، واعلم أنه البر الرحيم، واحرص على الإسراع قبل أن يأتي ملك الموت الذي لا يعرف عند الدخول بابا مغلقا، ولا عمرا صغيرا، ولا صحة من مرض إنما إذا حان الأجل فلا مفر بعدها.

رابعا: أخي الكريم: إن من تمام توبتك أن تعمد إلى إزالة الأسباب التي أوقعتك في المحرمات، فالتوبة الصادقة لا تتوقف عند حد الألم والبكاء بل تتجاوز ذلك لإزالة أسباب وقوعها، فمثلا من وقع في جريمة الزنا -عياذا بالله- نقول له من تمام توبتك أن تتزوج أو تسعى في الزواج، فإن لم تكن قادرا فاجتهد أن تبتعد عن أماكن المعاصي، وأن تشغل وقتك بالنافع، وأن تكثر من الأصحاب الصالحين، وأن تجتهد في الصيام، وأن تمارس نوعا من أنواع الرياضة مع القراءة حول خطورة تلك المعصية في دينك ودنياك وآخرتك، بهذا نحاصر المعصية.

هذه نصيحتنا لك فانهض وكن مع قافلة المحبين، وانضم إلى المساجد، واجتهد أن يكون لك دور إيجابي في نصرة الإسلام والمسلمين.

بارك الله فيك وأحسن الله إليك، والله الموفق.

مواد ذات صلة

الاستشارات