السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب، عمري ٣٠ سنة، وكنت في علاقة مع بنت منذ ١٠ سنوات، خلال هذه السنوات كنت أحاول إقناع والدتي بخطبتها، وكانت ترفض، وسبب الرفض أن البنت ليست من اختيارها!
والجدير بالذكر أن مقياس اختيارها هو علاقتها بوالدة البنت وقد مدحت لي ابنة قريبتها، وهذه البنت كانت معي في الجامعة، وأعرف أنها بنت لا تصلح للزواج، ولكن والدتي مقتنعة من اختيارها؛ لأنها ابنة قريبتها، وقريبتها امرأة خلوقة.
حاولت إقناع والدتي بشتى الطرق، بأن تخطب البنت التي أحبها، وصبرت برا لها، ولكن كنت أشعر بالذنب لأنني أكلم البنت وهي ليست زوجتي.
بعد عشر سنوات من محاولة إقناع والدتي، تأكدت بأنها لن تقتنع، وطلبت من والدي بأن يخطب البنت من والدها، وهذا الذي حصل.
الخطبة كانت قبل ٣ أسابيع، ومن وقتها ووالدتي لا تتحدث معي، ولا تنظر إلي، وتبتعد عني عندما أريد أن أسلم عليها وأقبل رأسها.
شعور الذنب يأكلني من الداخل، لم يكن هناك مشكلة عندما كنت في علاقة محرمة، ولكن حصلت المشكلة بعدما أردت أن تكون العلاقة حلالا! لا أستطيع ترك البنت لكي ترضى أمي، ولا أستطيع إكمال الزواج وأمي تعاملني بهذه الطريقة، والدتي إنسانة عظيمة، ولم تقصر معي بشيء، ولكن عندما حصل موضوع الزواج تغير كل شيء.
الجدير بالذكر أنها اختارت زوجات إخواني الأكبر مني، والآن هناك مشاكل بينها وبينهن، ولا تحبهن، وزوجات إخواني لم يخطئن.
شكرا على القراءة، وأتمنى أن تساعدوني.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أخي الكريم- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرزقك بر والديك، إنه جواد كريم.
أخي: إننا نحمد الله إليك حرصك على بر والدتك، وهذا هو الظن بالأخ المسلم الذي يريد مرضاة الله -عز وجل- ويخاف عقابه، كما نحمد الله إليك أن اخترت من تراها صالحة لك في دينها وخلقها، فالزواج -أخي الكريم- له أصول تقوم عليه، وأول تلك الأصول: الدين والخلق، لما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، فإذا كانت معايير الاختيار عندك قائمة في الأساس على الدين والخلق، ثم بعد ذلك اخترت معها الجمال أو غير ذلك، فقد بدأت البداية الصحيحة.
ثانيا: المقرر شرعا -أخي الكريم-: وجوب طاعة الوالدين، فإن رفض الوالدان أو أحدهما الزواج بفتاة معينة لسبب معتبر شرعا، فإن الأصل التقيد بذلك، إلا أن يخشى على الولد الوقوع معها في الحرام لشدة تعلقه بها، أما إذا كانت الفتاة صالحة، واعتراض أحد الولدين عليها لأجل أمور اجتماعية لا علاقة لها بالدين، فالأصل الاجتهاد في إقناع الوالدين، لكنه إن تزوج بها فليس آثما.
وقد سئل الشيخ ابن باز: ما حكم الزواج بغير موافقة الوالد؟ فأجاب: المشروع للمؤمن أن يتحرى موافقة الوالد؛ لأن بره من الواجبات، وكذلك الوالدة، يشاورهما ويجتهد؛ لأن الوالد والوالدة قد يبدو لهما ما لا يدركه الولد، والمرأة بدلها امرأة، النساء كثير، فإذا وجد امرأة صالحة طيبة، فلا مانع من أن يستشير الوالدان، ويكثر عليهما في ذلك، ويطلب من الإخوان الطيبين، أن يشيروا عليه حتى يوافق؛ لأن المرأة الصالحة لا ينبغي ردها، ولا ينبغي تركها. ولا ينبغي للوالدين أن يمنعاه من ذلك، ولا حرج في ذلك من الزواج بها، ولو لم يرض الوالدان؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: إنما الطاعة في المعروف، ولكون الزوجة الصالحة من المعروف، لكن مهما استطاع أن يرضيه، أو يلتمس امرأة صالحة غيرها حتى لا تفوت الفرصة، هذا هو الأولى جمعا بين المصلحتين، بين بره وبين تحصيل المرأة الصالحة، مهما أمكن، فإن لم يتيسر ذلك، وخاف فواتها، وهي امرأة صالحة، مشهود لها بالخير، فلا حرج عليه -إن شاء الله- بالزواج بها، وإن لم يرض والداه.
ثالثا: قد ذكرت أن الوالد ذهب معك لخطبتها، وهذا أمر جيد، لذا نرجو منك أن تفعل ما يلي:
1- أن تداوم على إرضاء الوالدة بكل السبل، وكلما ازدادت نفورا ازدد أنت قربا، واعلم أن هذا يرضيها من داخلها، ويخفف عنها ما حل بها، وموقفها الحالي فقط لأجل أن تتراجع، وليس لأنها كارهة لك أو غير ذلك، وعليه فاحرص على مداومة البر.
2- لا بد أن يتدخل والدك لإقناع الوالدة بأنك لن تتنازل عن الفتاة، وأن من المصلحة العامة أن نحتويه، وأن من الخطأ ترك الولد لغيرنا، هذا الكلام بهذه الطريقة سيأتي بثمره ولو بعد حين.
3- للوالدة قريبات وصديقات، اجتهد في التواصل مع إحداهن، كخالتك، أو من في حكمها على أن تكون أمينة وصالحة، وأن تتحدث معها لترطيب قلبها، ولإقناعها بالزواج، ولإزالة مخاوفها.
4- أشرك والدتك في اختيار أي شيء لك، فإن والدتك اليوم تستشعر أنك قد سرقت منها، وأنها تعبت كثيرا ولم تجد الثمرة، فأظهر لها عمليا أن هذا مستحيل، واجعل هذا بالأفعال لا بالأقوال.
المهم -أخي- المداومة على ذلك، فمن أدمن طرق الباب؛ فتح، واستعن بالدعاء، وستجد الخير بأمر الله.
نسأل الله أن يوفقك، وأن يصلحك، والله الموفق.