السؤال
السلام عليكم.
مشكلتي هي أني أملك حس مسؤولية عال تجاه عملي، وخوف شديد من الخطأ والفشل، وأن كل شيء فيه يجب أن يكون مثاليا؛
هذا الحال يؤدي بأن يأخذ عملي والتفاصيل المرتبطة به كل تفكيري ووقتي، فأنا أعمل لساعات طويلة، وحتى عند انتهاء ساعات العمل يبقى ذهني وعقلي مشغولا بالتفكير بتفاصيل العمل، والمهام العالقة فيه، حتى أنني عندما أصلي، أو أذكر الله، فإنني أشرد أحيانا كثيرة بقصص متعلقة بالعمل، وبما يدور فيه، حتى أصبح ذلك يسيطر على حياتي!
اشتركت بالعديد من البرامج العلمية الشرعية، كوسيلة للتقرب من الله، والتعرف على العلوم الشرعية؛ من: فقه، وسيرة، وعقيدة، وتفسير، وغيرها، لكنني لا أرى أني أعطيها حقها؛ بسبب انغماسي بالعمل، كما أنني أتأثر كثيرا، ويخشغ قلبي بسماع محاضرة، أو قراءة كتاب، إلا أنني لا أرى لهذا انعكاسا على جوارحي، وعباداتي، وعلاقاتي، ومعاملاتي، سواء والدي، أو عائلتي، أو أصدقائي، وغيرهم، فهل هذا من النفاق، أم أنه بسبب عملي المسيطر على تفكيري؟ وكيف أتخلص من هذا التعلق والحالة التي أعيشها؟
أعمل منذ حوالي ٨ سنوات، استلمت منذ سنة مسؤولية إدارة القسم، وتغير مديري المباشر، وأعمل حاليا مع مدير صعب، وعصبي، ومتسلط غير داعم، وعند حدوث المشكلات يتخلى عني، ويلقي باللوم علي، ويخرج نفسه من المسؤولية، غير أنه يقوم بتكذيبي عند الخلاف، ويرى دائما أنه على صواب، ولا يقبل النقاش، كما أنه قام بضم أقسام إضافية لي؛ مما جعل الحمل كبيرا جدا، ثم بدأ بلومي على أخطاء موجودة بالقسم الذي أضافه عندي، رغم أني لم أستلم المهمة إلا منذ أيام، ويريد مني إصلاح كل المشكلات، ويجبرني على العمل لساعات طويلة، وبعد نهاية الدوام، وفي أيام الإجازة، ونادرا ما أستطيع أخذ إجازة.
لقد تعبت؛ فحياتي الشخصية شبه ملغية، كما أنني مشتركة بالعديد من البرامج الشرعية، ولكن للأسف لا وقت لدي للتركيز بها.
أنا بحاجة ماديا للعمل؛ حتى أساعد أهلي، وهذا ما يدفعني للصبر أكثر، كما أن فرص الحصول على العمل صعبة، ولكني تعبت، فهل أقدم استقالتي، أم أصبر؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ روان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.
نصيحتنا لك ألا تقدمي استقالتك من هذا العمل ما دمت محتاجة إليه، ولم ترتكبي فيه مخالفة شرعية؛ فإن الله سبحانه وتعالى قدر الأرزاق بأسبابها، وأمرنا بالأخذ بالأسباب، كما قال سبحانه: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}، وقد قال سبحانه وتعالى في سورة مريم معلما عباده الأخذ بالأسباب: {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي}، فأمرها بهز النخلة، مع أنها تعاني آلام الوضع والولادة؛ لتعليم الخلق أن الرزق لا بد له من سبب، ولذلك ننصحك بأن تحاولي إيجاد التوازن في حياتك فقط؛ فالأسباب التي أمرت بالأخذ بها هي الأسباب المباحة من حيث القيام بالعمل الموكول إليك في حدود طاقتك، وقدرتك، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وأداء العمل بأمانة على الوجه الذي يتم التعاقد عليه، وما زاد على ذلك فلا يلزمك، ورزقك المقدور سيأتيك بعد الأخذ بالسبب المشروع له، فلا تتوهمي أنه سينقطع بعد ذلك ما بيدك من الأسباب الممكنة.
وأما أن تتسببي أنت بقطع رزقك بيدك، فهذا ليس من حسن التدبير؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)، فلا بد من الحرص على الشيء النافع، ومع ذلك لا بد من الاستعانة بالله سبحانه وتعالى، وترك العجز الذي هو الفشل.
ننصحك بالتوجه إلى الله سبحانه وتعالى، والتعلق به، وكثرة ذكره ودعائه؛ فإن الذكر يزيد البدن قوة، ويشرح الصدر، ويزيل الهموم والغموم.
حافظي على الفرائض التي كلفك الله تعالى بها، واجعلي لنفسك حصة يومية من قراءة شيء من القرآن، وأداء الأذكار خلال اليوم والليلة؛ فإن هذا سبب أكيد لاطمئنان القلب، وانشراح الصدر، وهدوء النفس، واعلمي أن بعد ذلك كله، وقبل ذلك، أن المقدر سيكون لا محالة.
نكرر الوصية -أيتها البنت الكريمة- بضرورة التوازن في هذه الحياة، وإعطاء كل ذي حق حقه، كما أمر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: (فأعط كل ذي حق حقه)، فإن لنفسك حقا، ولأهلك حقا، ولربك حقا، فحاولي التوازن والجمع بين هذه الحقوق بقدر الاستطاعة، واعلمي أنه لن يفوتك رزق أبدا بسبب هذا التوازن، وإعطاء الحقوق.
نسأل الله تعالى لك كل توفيق.