السؤال
أنا امرأة مطلقة منذ١٠سنوات، لدي طفل من طليقي المتهور، غير المتحمل للمسؤولية، منعدم الضمير، الذي غدر بي، وطلقني بعد فترة وجيزة من زواجنا؛ حيث إني لم أكمل ٤ أشهر زواج، وافترى علي وظلمني، وقهرني على نفسي وابني، هو وأهله، وخاصة أني راعيت الله فيه، وأخلصت له، وكنت أحبه حبا شديدا، وبعد سنتين من انفصالنا- الذي لم أرغب في حدوثه، والذي فاجأني به أثناء فترة حملي الصعبة- تزوج من أخرى وأنجب منها ٣ أولاد، وعاش حياته مستقرا، ومع كل ظلمه لي ولابني -الذي لم يطالب برؤيته حتى أصبح عمر ابني نحو التاسعة- رزقه الله من واسع فضله، ووسع رزقه، وتحسنت حالته المادية بشكل كبير؛ لدرجة أني بدأت أظن أني على خطأ أو الظالمة، ويعلم الله مدى الظلم والقهر الذي تعرضت له، وهو في تقدم وسعادة.
أنا أقف مكاني داخل حزني وهمي وقهري على نفسي وابني وضاعت ١٠سنوات من شبابي، والذي جن جنوني أكثر أنه لم يتقدم لي شخص مناسب أرتاح له أو أحس أنه سيراعي ربنا في أو في ابني، وأن أعيش معه حياة هادئة مستقرة إلا إذا كان متزوجا -والحمد لله- أنا على قدر من التدين والجمال والعلم، ورزقني الله وظيفة محترمة - وأنا ليس لدي طاقة لأكون زوجة ثانية، فدائما أحلم بالعوض الجميل عن الظلم والقهر والشماتة التي تعرضت لها من أقرب الناس.
إلى الآن ما زال قلبي متعلقا بطليقي، على الرغم من غضبي الشديد منه، وعدم مبالاته بي، ولا بمدى الظلم والحزن الذي غمسني فيه، وأنا أخاف الله، وصبرت كثيرا، ولكني كللت الصبر، وأخشى أن أصل للقنوط، والعياذ بالله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك -أختنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، ونحن سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يثبتك على الطاعة، وأن يرزقك الرضا عنه، وأن يكتب أجرك، إنه جواد كريم، وبعد:
ما تحدثت عنه من ظلم زوجك لك، وطلاقه إياك من غير ما بأس، وقد كنت له مطيعة، كل هذا إن كان صحيحا فقد أديت ما عليك، وابتلاك الله عز وجل ببلاء يختبر فيه إيمانك، وهنا لا بد أن نقف عدة وقفات حتى تتجلى هذه النقطة.
أولا: الدنيا -أختنا- ليست دار جزاء، وليست دارا يقام فيها العدل الكامل، إنما هي دار ابتلاء، أوجدنا الله فيها ليبتلينا، ويرى صدقنا من كذبنا، قال تعالى: (ألم* أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون).
هذه الابتلاءات وتلك الفتن تختلف من شخص إلى آخر، والبلاء نفسه يتغير قوة وضعفا، من شخص إلى آخر، كل حسب مكانته من الله عز وجل، فكلما كان العبد لله أقرب كانت الابتلاءات أشد، وصبر هؤلاء الصالحين أكبر؛ لأنهم يدركون أن الابتلاء في ذاته رفعة لدرجاتهم عند الصبر عليه، كما يدركون في ذات الوقت أن البلاء مدرك الجميع لا محالة.
ثمانية لا بـد منها على الفتى ** ولا بد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم واجتماع وفرقة ** وعسر ويسر ثم سقم وعافية.
ثانيا: الابتلاء مع أنه سنة ماضية إلا أن كل مبتلى يستشعر أن بلاءه هو الأعظم والأشد والأكبر، مع أنه بالنسبة لغيره في عافية، بل بعض الناس يتمنى أن يكون مكانه، فالمرأة المطلقة التي لم ترزق بمولود، وليس عندها وظيفة، ولا أحد يؤنس وحشتها أنت بالنسبة لها أمل ترجو تحققه!
المرأة التي لم تتزوج أصلا، واجتمع عندها الفقر والمرض، هذه المطلقة التي تزوجت فترة من الزمن وليست مريضة بالنسبة لها أمل ترجو تحققه!
المرأة التي لم تتزوج وعندها الفقر والمرض ولم تجد ثمن الدواء، ولا من يرعاها، فمن فوقها أمل لها.
كذلك مريض القلب هو في عافية بالنسبة لمريض السرطان، ومريض السرطان الذي يجد دواء هو في عافية بالنسبة لغيره الذي لا يجد علاجا، ومريض السرطان الذي لا يجد علاجا هو في عافية عند الرضا من غير الساخط على الله عز وجل.
الشاهد؛ إن كان الابتلاء في المرض فهناك من هو أشد منك حالا وصبر، وإن كان في المال فهناك من هو أفقر منك ورضي، وكلما افترض العبد ذلك وجد الدافعية عنده للصبر، فلسنا وحدنا في ابتلاء، بل الجميع كذلك، قال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) والعلة واضحة: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين *الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون*أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).
عليه فتلك طبيعة الحياة، الجميع مبتلى، لكن الأكثر يبصر ألم نفسه دون غيره، لجهله بآلام الناس، والسبيل الوحيد للخروج من هذه الدائرة أمران:
- الرضا بقضاء الله وقدره مع الإيمان بأن أقدار الله هي الخير للعبد لا محالة.
- النظر إلى من هو أشد منها حالا وأعظم منها ابتلاء.
بهذا -أختنا- يتعدل الميزان وتهدأ النفس، ويعينك على ذلك استحضارك لثلاثة أحاديث:
1- قوله صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) رواه مسلم.
2- حديث سعد بن أبى وقاص قال: قلت يا رسول الله: أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة).
3-قوله صلى الله عليه وسلم: (وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط)، فجعل العقوبة على عدم الصبر، ولم يجعل المرض أو الحزن ذاته عقوبة.
ثالثا: ليس الحكيم الذي يعرف خير الخيرين فحسب، بل الحكيم الذي يعرف شر الشرين أيضا، وأنت الآن مطلقة وعندك طفل، ومن حقك طلب الزواج ، لكن وضع شروط لذلك ووضع حواجز لها قد يكون عاملا إضافيا على تعبك.
إذا كنت في حاجة إلى الزوج فلا يجب وضع شرط ألا تكوني الثانية؛ لأن هذا يضيق مجالات الاختيارت عليك، وأنت في المجتمع، وتدركين أن العنوسة ضاربة بجذورها في المجتمع، والرسائل التي تأتينا لأخوات لا ينقصهن جمال ولا دين على ما ذكرن، ولم يتقدم إليهن أحد كثيرة وكثيرة جدا، وعليه فالواقعية هنا أفضل، فلا تغلقي الباب ولا تضعي العراقيل، بل إذا جاءك رجل صالح يتقي الله فيك، ولو كان متزوجا فلا حرج من القبول بعد الاستشارة والاستخارة، وإذا لم يأت فلا سبيل إلا الرضا بالقضاء، فلست وحدك المطلقة التي لم يتقدم لها زوج مع تدينها، بل مثلك آلاف الأخوات، فمن صبرت منهن ربحت الأجر، وأعانها الله ووجدت السلوى في ذلك، ومن لم تصبر أصابها الهم والغم ولم تربح من الأجر شيئا.
لأجل أن تكسبي الرضا المطلوب، لا بد مما يلي:
1- قراءة باب القضاء والقدر من كتب العقيدة.
2- جدولة الابتلاءات والمشاكل كلها، فما كان قابلا للعلاج ابدئي به، وما لم يكن قابلا استعيني بالله عليه وتعايشي معه.
3- زيارة المشافي والمرور بين أهلها للوقوف على نعمة العافية.
4- البحث عن صحبة صالحة على أن يكون من بينهن من يتعامل بإيجابية مع الأحداث.
5- الخلوة مع الله تعالى، والدعاء له، واعلمي أن دعاءك كله مستجاب، ولكن وفق مسارات محددة، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم؛ إلا أعطاه بها إحدى ثلاث:
إما أن يعجل له دعوته.
وإما أن يدخرها له في الآخرة.
وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها .
قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر).
هذا هو الطريق -أختنا الكريمة- وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يصرف عنك ما حل بك، وأن يرزقك الرضا عنه، وأن يبارك لك في ولدك.
والله الموفق.